وهذا كله يبين أنه لم يكن يخفي على العرب أن القرآن هو كالاسجاع ولا هوكاراجيز العرب التي كلها أجلى وأنهى وأفصح وأهيأ من اسجاع مسيلمة، فكيف يقبل من مسيلمة، فكيف يقبل من مسيلمة أنه يدعي معارضة القرآن بشيء لولا قصد الحجاج وإزالة الشبهة عنه صدور المستضعفين لجلب نعمة الله على عباده بالسمع أن يصرفوا إليه ويشغلوه به وبالله التوفيق.

والاحتجاج بالقرآن وجه ثالث: وهو أنه كتاب ناقص للعادات من كل وجه، ولأن الناس حين بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كانوا فريقين: معطلين ومبلين.

فالمعطلون لم يكونوا يقولون بأمر ولا نهي ولا تحليل ولا تحريم ولا وعد ولا وعيد ولا تسبيح ولا تقديس ولا عبادة قط.

والمبلون كانوا متمسكين بالشرائع الموروثة لهم عن أسلافهم، المبدلة وغير المبدلة، ولم يكونوا فيث العبادات ولا الأحكام عن المنهاج الذي نهجه القرآن، والمعطلة من العرب لم يكن تعطيلها إلا تقليداً، ولم يكن لهم من النصر بالحجج وطرق النظر ما كانت لمعطلة الفلاسفة، وكذلك المتدينة منها بنصرانية أو يهودية أو مجوسية ما كانت إلا مقلدة، ولم يكن لها في النظر والحجاج والجدل نصيب.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم مولوداً بمكة، وبها تربى على عادات أهلها، نشأ لم يجالس النظار ولا حملة الأشعار، إذا لم يكن منهم من يليه أحد ولا أن يحل إلى من كان منهم من غير بلده، فجالسه والتقى به، ولا عرف البحث عن الديانة والخوض عنها من همه ودأبه، وكانه مع هذا الإنفراد لا يكتب.

ثم إنه جاءهم بالقرآن المشتمل على الإثبات والتوحيد والتسبيح والتقديس والتحميد والدعاء والاستغفار والتمجيد، وإثبات العبادات على اختلاف وجوهها وإبانة الأحكام في عامة الحوادث على كثرها ويقين أصولها وفروعها، وكانت جملتها مخالفة في أنفسها لماعليه المعطلة، وفي أوصافها وشرطها لا عليه الملة المتدينة، فدل على وجوه الحجاج وأرشد إلى طرق الجدل والخصام، وكان في جموع ذل كله ثلاثة معاني أخذها القرآن كتاب وخبر وفيه تكرير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015