كلاماً لا معنى تحته، واستوى له من ذلك بقدر سورة من القرآن لم يجز أن يقال أنه عارضه أو جاء بمثله، لأنا وجدنا في الناس من لا يحسن أن يقول بيت شعر.

وقد قال قصيدة صاغها هذرا ونظمها من ألفاظ لا معاني تحتها. ورأيت من يخدم الملوك ويصيب الرغائب منهم ولا سبب له عندهم إلا هذا الصنيع، وشاهدته وهو ينشد قصائده التي وصفها وهم يضحكون منه، ولو أراد يقول بيت شعر مستقيما لما قدر عليه، فعلمنا أن الإعراض عن المعاني وإغفالها مما يسهل السبيل إلى التوسع في الألفاظ الفارغة وبالله التوفيق.

وأما من زعم أنه عارض سورة الكوثر، فهو أضل من حمار أهله، لأن قوله: {إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك}. وبعض ما بعده كلها أعيانه سورة الكوثر، وما بعضها محاكاة وسرقة، فأنى يكون ذلك معارضة، لولا قلة المعرفة، ويدل على صحة ما قدمنا ذكره خطباء العرب وفصحاؤهم لما سمعوا القرآن استعظموه، فقالوا لمعرفتهم مباينته جميع ضروب كلامهم: (إن هذا إلا سحر يؤثر). كما قالت سافر الأمم للأنبياء لما رأوا عنه أعلامهم ما يباين الموجودات عندها، قالوا هذا سحر مبين.

وروى أن الولد بن المغيرة جمع قريشاً فقال لهم، ما تقولون في هذا الرجل؟ فقال بعضهم: هو شاعر، وقال بعضهم: هو كاهن، فقال الوليد: سمعت قول الشعر فما هو شاعر، وسمعت قول كهانه اليمن فما هو مثله! قالوا: فما تقول أنت؟ فسكت ساعة ثم عبس فقال: إن هذا إلا سحر يؤثر.

وفي رواية أخرى إن الله عز وجل لما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم: {حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير}، قام النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقرأها والوليد قريب منه يستمع إلى قوله، فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليد يستمع إلى قراءته، أعاد هذه الآية، فقال: حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، في ملكه العليم بخلقه، غافر الذنب لمن تاب من الشرك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015