فصل
ونقول في الفرق بين فصول القرآن وبين هذه المتقطعات أن الاسجاع وقوله في الأشعار يتحرى لها الألفاظ وجعل المعاني تابعة لها سيف بن ذي يزن لم يقل: إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب وترك أن يقول لجده حقا لا لمراعاة اللفظ، وليزدوج آخر كلامه بأدلة، وإلا فليس في العادات أن يقول قائل: إن هذا هكذا غير كذب، وإنما يقول حقا أو صدقا، كما قال عز وجل: {فورب السماء والأرض إنه لحق}.
وجرى النبي صلى الله عليه وسلم هذه العادة لما قصد السجع، فقال: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب). ولم يقل أنا النبي حقا، قال الله عز وجل: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا} لأن ذلك كان لا يزدوج مع الذي كان في نفسه أن يقوله من قوله: (أنا ابن عبد المطلب) ويجري الاسجاع إتفاق حروف المقاطع نحو ياء وميم وجيم.
وعلى هذا عادة الشعراء ويتوفى فيهما معاً تبيان للفضل والبيت والبيت في الطول والقصر، وليس القرآن كذلك، لأن مقاطع آياته لم تبن على استواء الحروف ولا آياته على التساوي، فعلم بذلك أن المعاني فيها بحق المقصودة، والألفاظ تحتها لم تشبه ما تشبه الاسجاع والأشعار، من تخالف الحروف في مقاطعها، ولا طول آية وقصر التي تحتها.
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سجع فقال: (أنا النبي لا كذب) اقتصر بعده، على أن قال: (أنا ابن عبد المطلب) ولم يقل: (أنا ابن عبد الله بن عبد المطلب)، وإن كان كذلك بالحقيقة، لأنه لو قال هذا لزلزلت بهجة السجع وحسن النظام عن هذا الكلام.
وقد دخل هذا المعنى أكثر آيات القرآن فلم يسوءها ولم يعرضها لأن تمجها الأسماع وتنبوا عنها القلوب. فقيل: {الحمخد لله رب العالمين}. ثم قيل: {الرحمن الرحيم}. وذلك كلمتان، والذي قبله ثلاث كلمات ومقطعها مختلف، ثم قيل بعدها هذا: {إهدنا الصراط المستقيم} وهي ثلاث كلمات ومقطعها الميم، وقيل بعدها: {صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين آمين} وفي هذه إضعاف