أنه ينبغي له أن يتوقف، فإن سارع إلى تكذيبه كفر، وإن لم يسمع بشيء من إعلام نوبته إلى القرآن، وقوله: {فأتوا بسورة من مثله} وكان من عليه أهل البلاغة، وأخذ يمتحن نفسه لينظر: هل يتهيأ له بمعارضته، وهو يعتقد أنها لم تستوله واعتاصت عليه آمن به وانفضت مدة لو كانت المعارضة مؤاتيه في ممكنته لواته فيها وأمكنته، فلم يقدر على شيء وآخر الإيمان به كفر. فإن قبل أن يمكنه معرفة حاله وهو يراود نفسه فربما طبع، وربنا يئس، ولم يظهر له من حال نفسه ما يمكنه القطع به. وكان من قبل هذا البلاغ متمسكا بدين حق مات مؤمنا بإيمانه المتقدم.

فإن قيل: لم كفرتموه إذا يئس من إمكان المعارضة، وهو يقول: الست أنا الناس كلهم؟ ولعل غيري يقدر على ما عجزت عنه، وأما أنا واحد من الجمع!

قيل: لأن مباينة القرآن سائر الكلام المنظوم، إنما هي من قبل خروج نظمه عن معارف الناس، فإنه ليست له طريقة تدرك فيحافظ عليها، كما للشعر الذي إذا أجاب طبع الواحد إليه والأقدر على تعلمه والتوصل إليه بأسبابه، وإذا كان كذلك، فكل من كان من أهل البلاغة والنظم وجاهد نفسه في معارضة سورة من القرآن فلم يقدر عليها، لأن معرفته لم تحط بنظمه ولم تقف له على هيئة مطردة وطريقة منسقة صار محجوبا لعجزه. وكان علمه بما ظهر له من حاله علما باحوا لمن كان في مثل معناه.

ألا ترى أنه لو بلغه فمكان القرآن أنه يقول الدلالة على نبوتي، ولزوم أن أحدا لا يسمع كلامي وقولي إلا وينسينا اسمه، فلا يذره ولا غيره إلا أن اذكره، فنسي هذا المبلغ اسمه عند هذا البلاغ ونسبه مبلغه وجهد جهده في تذكره ولم يذكر لصار محجوجا بما بلغه. وإن لم يكن له أن يتوقف عن الإيمان معتلا بأن يقول: إن كنت نسيت اسمي ولم أذكره فلعل غيري لا ينساه أو يذكره، لأن لم ينس اسمه لعارض من العوارض التي تحدث للطباع فينسى ويغفل. فقال: لعل الناس يتباينون في ذلك، فعسى أن يعرض لواحد ولا يعرض لغيره، وإنما نسي لأمر خارج من الطباع فهو وغيره فيه سواه، وليس إلا التصديق والتسليم، فكذلك هذا في العجز عن معارضة القرآن والله أعلم.

فإن سأل سائل: عن امرأة ولدت ولدا على رأس جبل إلى أن يعيش وحده، ماتت أمه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015