الرياح طبع. فتكون منفعتها بحسب طبعها. فالصبا خاوية يابسة. والدبور باردة طيبة. والجنوب حارة رطبة. والشمال باردة يابسة. واختلاف طباعها كاختلاف طباع فصول السنة.
وقد تهب رياح كثيرة سوى ما ذكرنا إلا أن الأصول هذه الأربع، فكل ريح هب بين ريحين مما ذكرنا فحكمها حكم الريح التي تكون فيه هبوبها أقرب إلى مكانها. وهذا هو الكلام فيما يرجع من منافعاها إلى الأبدان.
ثم إن لها منافع سواها: فمنها الرياح الشجر، قال الله عز وجل: {وأرسلنا الرياح لواقح}. ومنها حمل السحاب، قال الله عز وجل: {وهو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته، حتى إذا أقلت سحابًا ثقالًا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون}.
وهذا ما سخره الله تعالى لمصالح الناس ليكفيهم به مؤونة استنباط المياه من العيون ولعل الحاجة تقع إلى الماء حيث لا عين، أو لا سبيل إلى الوصول، فأزاح الله بعلمه بما يحمله السحاب من الماء ويرسله من الريح ليحمله في الجو، ويمسكه على ظهرها بقدرته ومشيئته حتى إذا أراد إنزال شيء من الماء ببلد أنزل منه المقدار الذي يريد لطفًا منه وفضلًا تبارك اسمه وعزت قدرته.
ومنها سوق الفلك في البحر، قال الله عز وجل: {ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره}. وهذا لأن ماء البحر دائم. فإذا لم تكن ريح فلا حركة للسفن، حتى إذا هاجت الريح كانت هي التي تحرك الفلك وتزيحها، ولن يكون هبوبها إلا بإذن الله، فهو الذي يسير الناس في البر والبحر، كما قال عز وجل.
ومن فوائد الرياح إن الله عز وجل كما جعلها كرامة لنبينا صلى الله عليه وسلم أحوج ما كان إليها، فقال عز وجل في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم