وكأن البرق مصحف قار ... فانطباقا مرة وانفتاحا1
فالمشبه "البرق"، والمشبه به "المصحف"، ووجه الشبه: هيئة مجموع الحركات المختلفة باختلاف الجهات- غير أن هذه الهيئة تحقيقية في المصحف، تخييلية في البرق، إذ لا انفتاح ولا انطباق فيه حقيقة، وإنما هو ظهور يعقبه خفاء، والعكس- إلا أنه يحكي في هذه الحالة: المصحف يفتحه القارئ تارة، ويطبقه أخرى، فهو -كما ترى- لم يعتبر في هذه الهيئة المنتزعة شيئا من أوصاف الجسم. وإنما راعى فقط تلك الحركات المختلفة النواحي عند انفتاح المصحف وانطباقه، وعند ظهور البرق واختفائه- ومثله تمام قول الشاعر:
والسحب تلعب بالبروق كأنها ... قار على عجل يقلب مصحفا
هذا -وكلما كان التفاوت في الجهات التي تتحرك أبعاض الجسم إليها أشد كان التركيب في هيئة المتحرك أكثر.
ومن لطيف ذلك قول الأعشى يصف السفين في البحر، تتقاذفها الأمواج، فتضطرب وتتحرك إلى جهات مختلفة:
تقص السفين بجانبيه كما ... يثب الرباح خلاله كرع2
شبه الشاعر: هيئة حركات السفينة حين تتقاذفها الأمواج، فترتفع بها تارة، وتنخفض أخرى، وتضطرب في جهات مختلفة -بهيئة حركات الفصيل في وثباته، فإن له حينئذ حركات متفاوتة، تصير لها أعضاؤه في جهات مختلفة من تسفل وتصعد، على غير نظام وترتيب، وفي سرعة خاطفة، بحيث لا يتبينه الطرف مرتفعا حتى يراه