بحيث صارت وحدة لا تتجزأ -وبحيث لو حذف أحد هذه الأشياء اختل التشبيه- كما في بيت "بشار" فإن وجه الشبه -كما علمت- مجموع الأمور السابقة، وهي سقوط أجرام مشرقة، مستطيلة الأشكال، متناثرة في جوانب شيء مظلم، فلو حذف من هذه المجموعة واحد منها "كالأشراق" أو "الاستطالة" لم يتم التشبيه بني الطرفين -ذلك: أنالغرض: تشبيه الطرفين في هذه الهيئة التركيبة المتضامة الأجزاء.
أما الوجه المتعدد فإن المنظور فيه إلى أمور متعددة، بقصد جعل كل منها على انفراده وجه شبه -عكس الأول- بحيث لو حذف أحدها، أو قهم، أو أخر لم يختل التشبيه، ولم يتغير حال الباقي في إفادة ما كان يفيده قبل الحذف أو قبل التقديم والتأخير- كما في المثال السابق: في تشبيه فاكهة بأخرى في الطعم، والرائحة واللون فإنك لو حذفت "اللون" مثلا أو الرائحة أو الطعم وقدمت أحدها على الآخر لم يختل التبشبيه إذ ليس الغرض: أن يجعل وجه الشبه مجموع هذه الأمور فليس لمجموعها -كما قلنا- هيئة خاصة، يقصد إليها- بل المراد: جعل كل واحد منها وجه شبه، من غير أن يتقيد أحدهما بالآخر.
ويتبين لك الفرق بينهما جليا في قول الشاعر:
كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلما رأوها أقشعت وتجلت1
شبه الشاعر حال من ظهر له شيء هو في غاية الحاجة إليه، وقد علق به رجاء÷ ثم ما لبث أن فوجئ بفقدانه، بذهابه غلى حيث لا عودة له، ولا رجاء منه -شبه ذلك بحال قوم عطاش. عرضت لهم غمامة، هم أشد ما يكونون حاجة إليها، وما أن رجوها أن تمطرهم حتى انقشعت عنهم، وذهبت، وتركتهم