وأرض كأخلاق الكريم قطعتها ... وقد كحل الليل السماك فأبصرا1
يقول: رب أرض رحبة الجنبات قطعتها في ليل تألق نجمه -شبه الأرض بالخلق الكريم في الرحابة والسعة، بتقدير المعقول محسوسا، واعتباره أصلا في وجه الشبه، يقاس به مبالغة، وإلا فإن إلحاق المحسوس بالمعقول قلب للأوضاع2، وجعل للفرع أصلا، والأصل فرعا، وهو لا يجوز، ولا يستسيغه عقل لولا قصد المبالغة -ومن الطريف في ذلك قول الشاعر:
وفتكت بالمال الجزيل وبالعدا ... فتك الصبابة بالمحب المغرم
فالفتك الأول حسي باعتبار متعلقه، والثاني عقلي، وهو من أحاسن التشبيهات وأبدعها، وأشدها في النفس وقعا -ومثله قول الصاحب:
أهديت عطرا مثل طيب ثنائه ... فكأنما أهدى له أخلاقه
تنبيه:
من الحسي: مالا تدركه الحواس بذاته، ولكن تدرك مادته، ويسمى: خياليا، وهو الشيء المعدوم خارج الأعيان الذي ركبته المتخيلة من أمور مدركة بالحس الظاهر كما في قول أبي الغنائم الحمصي:
خود كأن بنانها ... في خضرة النقش المزرد
سمك من البلور في ... شبك تكون من زبرجد3