على حقيقته؛ لأن المتبادر إلى الفهم عند انتفاء القرينة هو الحقيقة بمعنى أن ظاهر الكلام بغض النظر عن القرينة يفيد أن الإسناد إلى ما هو له, وهذا هو المراد بقوله في تعريف المجاز: "بتأول" أي: بأن تنصب قرينة صارفة عن أن يكون الإسناد إلى ما هو له, وبهذا القيد خرج ما لا تأول فيه، وهو أمران:

الأول: ما طابق الاعتقاد دون الواقع كما في إسناد الفعل للأسباب العادية كقول الجاهل: "شفى الطبيب المريض1" فهذا القول -وإن أسند فيه الفعل إلى غير ما هو له في الواقع- لا تأول فيه لأن الجاهل لا ينصب قرينة صارفة عن إرادة الظاهر من قوله؛ لأن هذا الظاهر هو مراده ومعتقده، فهو يعتقد أن الشفاء من الطبيب، وأن الله سبب، وإذ كان هذا القول لا تأول فيه فهو حقيقة عقلية, ومنه قول الصلتان العبدي2 من قصيدة:

أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كر الغداة ومر العشي

نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي

تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي

والشاهد في البيت الأول حيث أسند "أشاب وأفنى" إلى كر الغداة ومر العشي وهو إسناد في ظاهره حقيقي لعدم التأول فيه, إذا قطعنا النظر عما ورد في هذه القصيدة مما يدل على أن الشاعر لم يكن دهريا، يعتقد تأثير الزمان، بل كان موحدا يضيف الإشابة والإفناء إلى الله تعالى3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015