ومثل هذا المخاطب يلقى إليه الخبر ساذجا غفلا من أدوات التأكيد لعدم الحاجة إليه لتمكن معنى الخبر في ذهنه إذ وجده خاليا، وخلو الذهن عن الشيء يوجب استقراره فيه، قال الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكنا
فإن كان لإنسان أخ تقدم إلى الامتحان فنجح فيه، ولم يصل إلى علمه نبأ نجاحه، فأردت إخباره بذلك قلت هكذا, "نجح أخوك في الامتحان" مجردا من أي أداة من أدوات التأكيد1,ويسمى هذا الضرب من الخطاب "ابتدائيا" لأنه لم يسبق بطلب أو إنكار.
2- أن يكون مترددا في الحكم المراد إفادته إياه، طالبا له2 أي: طالبا بلسان حاله وقوفه على جلية الأمر إذ إن المتردد في الشيء عادة يكون متشوقا إليه، طالبا في نفسه معرفته ليزول تردده، ويستقر على أحد الأمرين المتردد فيهما, ومثل هذا المخاطب يستحسن أن يؤكد له الخبر بأداة توكيد واحدة محوا لهذا التردد وتمكينا للحكم في ذهنه -سواء استوى لديه طرفا الإثبات والنفي، أو كان لأحدهما راجحية إلى حد ما- وهذا هو مذهب الجمهور.
أما رأي الإمام عبد القاهر فإن المستحسن له التأكيد عنده إنما هو المتردد الذي يرجح أحد الطرفين المخالف لرأيك فكأنه ينكر الطرف الآخر، ولتحويله عن هذا الطرف الغالب عنده كان إلى التأكيد في حاجة هي أشبه بحاجة المنكر إليه, وليس كذلك شأن الشاك الذي استوى عنده الطرفان، فإن أدنى إخبار يمحو شكه، ويزيل تردده إذ لم يكن له ميل