فقد كنى عن جوده، وكثرة قِراه للأضياف بجبن الكلب، وهزال الفصيل, إذ ينتقل الذهن من جبن الكلب إلى تأديبه ومنه إلى استمرار ما يوجب نباحه، وهو اتصال مشاهدته وجوها إثر وجوه، ثم ينتقل من هذا إلى كون صاحبه مقصدا للداني والقاصي، ومن هذا إلى أنه يقري الأضياف، ومن قرى الأضياف إلى وصف الجود. كذلك ينتقل الذهن من هزال الفصيل إلى فقد1 أمه بنحرها، ومنه إلى قوة الداعي لنحرها؛ لكمال عناية العرب بالنوق لا سيما المتليات2، ومنه ينتقل الذهن إلى إعدادها للطبخ، ومنه إلى أنه مضياف كريم. وسميت هذه الكناية بعيدة؛ لبعد زمن إدراك المقصود منها.

والثانية -وهي المطلوب بها موصوف- ضابطها: أن يصرح بالصفة وبالنسبة، ولا يصرح بالموصوف المطلوب النسبة إليه، ولكن يذكر مكانه صفة، أو أوصاف تختص به كما في قولك: "فلان صفا لي مجمع لبه" كناية عن قلبه؛ فقد صرح في هذه الكناية بالصفة، وهي "مجمع اللب"، وصرح بالنسبة، وهي إسناد الصفا إليها، ولم يصرح بالموصوف المطلوب نسبة الصفاء إليه، وهو "القلب"، ولكن ذكر مكانه وصف خاص به وهو "كونه مجمع اللب"، فإن القلب -كما يقولون- موضع العقل والتفكير.

وهذه الكناية أيضا نوعان:

الأول: ما يكون الكناية فيه معنى واحدا كما في المثال السابق: فلان صفا لي مجمع لبه؛ فمجمع اللب المكنى به عن القلب معنى واحد -كما ترى3- وكما في قول الشاعر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015