وإنما قبح التشبيه في مثل ما ذكرنا؛ لقوة الشبه بين الطرفين حتى كأنهما شيء واحد, فإجراء التشبيه بينهما بمثابة تشبيه الشيء بنفسه، وحسنت فيه الاستعارة؛ لاختفاء شبح التشبيه لفظا.

2- أن يزداد بعدها عن الحقيقة بالترشيح؛ ولذلك كانت الاستعارة المرشحة أكثر قبولا في ذوق البلغاء من أختيها: المجردة، والمطلقة.

3- ألا يشم فيها رائحة التشبيه لفظا1, بألا يذكر في الكلام لفظ يدل على المشبه كما في قولنا: "زارني بدر في منزلي" فليس في العبارة لفظ دال على المشبه. أما قول الشاعر المتقدم:

لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر

فاستعارة -كما يقولون- قليلة الحسن2؛ لما فيها من إشمام رائحة التشبيه بسبب ذكر لفظ دال على المشبه، وهو "الضمير" في قوله: "غلالته", أو في: "أزراره". وهذا يتنافى مع ما ترمي إليه الاستعارة؛ ذلك أن الغرض منها -كما تقدم- إظهار المبالغة في التشبيه بادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به، ومقتضى هذا أن يستويا في وجه الشبه, وإشمام رائحة التشبيه بما ذكرنا يلفت الذهن إلى ما هو معلوم في أصل التشبيه من أن المشبه به أقوى في وجه الشبه من المشبه، وهذا يتعارض مع ما تقتضيه الاستعارة من تناسي التشبيه، ودعوى اتحاد الطرفين.

ومما ينبغي أن يعلم هنا أن المراد بإشمام رائحة التشبيه المشروط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015