المواضع. قال عمران بن حطان يخاطب الحجاج بن يوسف الثقفي:

أسد علي وفي الحروب نعامة ... فتحاء تنفر من صفير الصافر1

أي: أنت مجترئ علي، وفي الحروب جبان رعديد؛ فقد استعمل لفظ "أسد" في معنى المجترئ, كما استعمل لفظ "نعامة" في معنى "الجبان", إذ النعامة من أجبن الحيوانات. وقال أبو العلاء المعري في مرثية له:

والطير أغربة عليه بأسرها ... فتح السراة وساكنات لصاف2

فليس المراد "بالأغربة" الطيور المعروفة إذ لا معنى له، بل المراد: والطير باكية عليه؛ فاستعمل لفظ "أغربة" في معنى "باكية", إذ يزعمون أن الغراب يعلم بالموت، ومن لازم ذلك التحزن والبكاء, فالجار مع مجروره في كل ما ذكرنا إنما تعلق بهذه الألفاظ بعد تأولها بالمشتق -كما رأيت- ولو كانت مستعملة في معناها الحقيقي -كما ذهب إليه الخطيب- ما صح تعلقه بها لامتناع تعلقه بالجوامد؛ لهذا كانت هذه الألفاظ الواردة مستعملة في هذه المعاني المذكورة، لا في المعنى الموضوع له، فهي إذًا من أنواع المجاز بالاستعارة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015