تقدم أن المشبه به ينبغي أن يكون أعرف بوجه الشبه من المشبه، أو أتم وأقوى منه فيه، حقيقة إذا عاد الغرض على المشبه، أو ادعاء إذا عاد على المشبه به كما سبق تفصيله.
ومتى كان الأمر كذلك جيء بصيغة التشبيه المعروفة إشعارا بهذا التفاوت، ودلالة على أن أحدهما ناقص، والآخر كامل, كما تقول: "هذا الشيء كهذا الشيء" أو مثله، أو شبهه، أو يحاكيه، أو يماثله، أو كأنه كذا، أو غير ذلك من أنواع صيغة التشبيه الدالة وضعا على أن بين الشيئين تفاوتا.
فإذا أريد التساوي بين الشيئين في أمر، من غير قصد إلى تمييز أحدهما في الأعرفية، أو الأتمية، أو فيهما معا, سواء وجد هذا التفاوت بينهما أو لا, فالأفضل العدول عن صيغ "التشبيه" المذكورة آنفا إلى صيغة "التشابه"، أو ما يماثلها من كل ما يدل على حصول المعنى من الجانبين على السواء, كتماثل وتعادل وتحاكى؛ احترازا من إيهام1 ترجيح أحد المتساويين الذي هو غير مراد قصدا إلى المبالغة في التشبيه، كما تقول: تشابه محمد والأسد، وتماثل وجهه والبدر، وتحاكى نواله والغيث، ونحو ذلك من كل فعل لا مفعول له للإشعار بأن ليس بين الطرفين تفاوت. ومنه قول أبي إسحاق الصابي2:
تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي ... فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب
فوالله ما أدري أبالخمر أسبلت ... جفوني، أم من عبرتي كنت أشرب3