حتى يمحى هذا الإنكار, ومنه قوله تعالى حكاية عن رسل عيسى عليه السلام إذا كذبوا في المرة الأولى: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} مؤكدًا بأن وإسمية الجملة1, وإذ كذبوا في المرة الثانية {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} مؤكدًا بالقسم, وإن، واللام, وإسمية الجملة لإمعان المخاطبين في الإنكار، إذ قالوا: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ} .
ثم إن الجري على هذا النحو في الخطاب: من خلو الكلام عن التأكيد لخالي الذهن، واستحسان التأكيد للمتردد، ووجوبه للمنكر، هو ما يتطلبه ظاهر حال المخاطب, وحينئذ ينبغي للمتكلم أن يراعي في خطابه ما يبدو من حال مخاطبه ليكون كلامه مطابقًا, ويسمى الجري على هذا النحو إخراجًا للكلام على مقتضى ظواهر الحال.
إذا علمت هذا فاعلم أن المتكلم قد يغض النظر عن ظاهر حال المخاطب ويعتبر فيه أمرًا آخر غير ما يبدو له لسبب ما، ويخاطبه على هذا الاعتبار، والجري على هذا النحو يسمى.