التشبيه وبعده -لكن عارض ذلك ما يقتضي قربه وابتذاله، وهو سرعة حضور صورة "البرقوق" في الذهن عند استحضار صورة "العنب" لما بينهما من شدة التجانس المقتضى لسرعة الانتقال، فلا أثر للتفصيل في وجه الشبه مع قوة هذا التجاس.
جـ- أن يكون في الوجه شيء من التفصيل كسابقه، يحتاج إلى تعدد الملاحظة- غير أنه يكثر حضور صورة المشبه به في الذهن مطلقا، أي لا يقيد استحضار صورة المشبه، وذلك لكثرة مشاهدة صورة المشبه به، وتكررها على الحس- فإن المشاهد كثيرا ما يكثر خطورة بالبال عادة. وبذلك يسهل الانتقال إليه عند إرادة التشبيه- ومن هنا كان التشبيه قريبا مبتدلا، كما في تشبيه إنسان جميل: بالقمر في الرفعة والهداية- وكتشبيه المرآة المجلوة: بالشمس في "الاستدارة والاستنارة-" ففي وجه الشبه- في المثالين- شيء من التفصيل، إذ لوحظ في كل منهما أمران- "الرفعة والهداية" في الأول، والاستدارة والاستنارة "في الثاني- وهذا يقتضي شيئا من غرابة التشبيه وبعده- لكن عارض ذلك ما جعله قريبا مبتذلا. وهو سرعة حضور صورة المشبه به في الذهن لكثرة النظر إليها ومشاهدتها وليس من شك: أن صورتي الشمس والقمر مما يتوارد على النظر كثيرا.
والبعيد الغريب: ما لا ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به إلا بعد إعمال فكر وطول تأمل، بسبب خفاء وجه الشبه فيهما.
وأسباب خفاء وجه الشبه ثلاثة أيضا:
أ- أن يكون في وجه الشبه تفصيل يحتاج إلى كثرة الملاحظات والاعتبارات كما في شبيه الهيئات بعضها ببعض.. كتشبيه هيئة الخال على الخد بالشقيق في قول الشاعر:
لا تعجبوا من خاله في خده ... كل الشقيق بنقطة سوداء1