تطييباً لقلوب المختلفة إلي، فكان لا ينطلق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة، حتى أورثت هذه العقلة في اللسان حزناً في القلب، بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام والشراب، فكان لا ينساغ لي ثريد، ولا تنهضم لي لقمة، وتعدى إلى ضعف القوى، حتى قطع الأطباء طمعهم من العلاج وقالوا: هذا أمر نزل بالقلب، ومنه سرى إلى المزاج، فلا سبيل إليه بالعلاج، إلا بأن يتروح السر عن الهم الملم. ثم لما أحسست بعجزي، وسقط بالكلية اختياري، التجأت إلى الله تعالى التجاء المضطر الذي لا حيلة له، فأجابني الذي يجبي المضطر إذا دعاه وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب، وأظهرت عزم الخروج إلى مكة وأنا أدبر في نفسي سفر الشام حذراً أن يطلع الخليفة وجملة الأصحاب على عزمي على المقام في الشام، فتلطفت بلطائف الحيل في الخروج من بغداد على عزم أن لا أعاودها أبداً. واستهدفت لأئمة أهل العراق كافة، إذ لم يكن فيهم من يجوز أن يكون للإعراض عما كنت فيه سبب ديني، إذ ظنوا أن ذلك هو المنصب الأعلى في الدين، وكان ذلك مبلغهم من العلم،