والعارف العاقل يعرف الحق، ثم ينظر في نفس القول: فإن كان حقاً قبله سواء كان قائله مبطلاً أو محقاً، بل ربما يحرص على انتزاع الحق من تضاعيف كلام أهل الضلال، عالماً بأن معدن الذهب الرغام. ولا بأس على الصراف إن أدخل يده في كيس القلاب وانتزع الإبريز الخالص من الزيف والبهرج. مهما كان واثقاً ببصيرته، ويمنع - من ساحل البحر - الأخرقُ، دون السباح الحاذق، ويصد عن مس الحية الصبي دون المعزم البارع. ولعمري! لما غلب على أكثر الخلق ظنهم بأنفسهم الحذاقة والبراعة وكمال العقل، وتمام الآلة في تمييز الحق عن الباطل والهدى عن الضلال وجب حسم الباب في زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضلال ما أمكن، إذ لا يسلمون عن الآفة الثانية التي سنذكرها أصلاً، وإن سلموا عن هذه الآفة التي ذكرناها. ولقد اعترض - على بعض الكلمات المبثوثة في تصانيفنا في أسرار علوم الدين - طائفة من الذين لم تستحكم في العلوم سرائرهم، ولم تنفتح إلى أقصى غايات المذاهب بصائرهم،