ثم فتشت عن علومي، فوجدت نفسي عاطلاً من علم موصوف بهذه الصفة، إلا في الحسيات، والضروريات، فقلت الآن بعد حصول اليأس لا مطمع في اقتباس المشكلات إلا من الجليات وهي الحسيات والضروريات فلا بد من إحكامها أولاً لأتيقن أن ثقتي بالمحسوسات، وأماني من الغلط في الضروريات من جنس أماني الذي كان من قبل في التقليدات، ومن جنس أمان أكثر الخلق في النظريات، أم هو أمان محقق لا غدر فيه، ولا غائلة له.
فأقبلت بجد بليغ، أتأمل المحسوسات والضروريات، وأنظر هل يمكنني أن أشكك نفسي فيها؟ فانتهي بي طول التشكيك إلى أن لم تسمح نفسي بتسليم الأمان في المحسوسات أيضاً، وأخذ يتسع فيها ويقول: من أين الثقة بالحواس؟ وأقواها حاسة البصر وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفاً غير متحرك، وتحكم بنفي الحركة، ثم بالتجربة والمشاهدة - بعد ساعة - تعرف أنه متحرك، وأنه لم يتحرك دفعة واحدة بغتة، بل بالتدريج ذرة، ذرة، حتى لم يكن له حالة وقوف.