وأما من أثبت النبوة بلسانه، وسوى أوضاع الشرع على الحكمة، فهو على التحقيق كافر بالنبوة، وإنما هو مؤمن بحكم له طالع مخصوص، ويقتضي طالعه أن يكون متبوعاً، وليس هذا من النبوة في شيء، بل الإيمان بالنبوة أن يقر بإثبات طور وراء العقل، تنفتح فيه عين يدرك بها مدركات خاصة، والعقل معزول عنها، كعزل السمع عن إدراك الألوان، والبصر عن إدراك الأصوات، وجميع الحواس عن إدراك المعقولات، فإن لم يجوّز هذا، فقد أقمنا البرهان على إمكانه، بل على وجوده. وإن جوز هذا، فقد أثبت أن هنا أموراً تسمى خواص، لا يدور تصرف العقل حواليها أصلاً، بل يكاد العقل يكذبها ويقضي باستحالتها. فإن وزن دانق من الأفيون سم قاتل لأنه يجمد الدم في العروق لفرط برودته والذي يدعي علم الطبيعة، يزعم أنه ما يبرد من المركبات، إنما يبرد بعنصري الماء والتراب فهما العنصران الباردان. ومعلوم أن أرطالاً من الماء والتراب لا يبلغ تبريدها في الباطن إلى هذا الحد. فلو أخبر طبيعي بهذا ولم يجربه، لقال: هذا محال، والدليل على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015