وهكذا كان يفعل سيبويه إذا تحجّر شيئا من اللغة وخرج عنه1 الحرف أو الحرفان لم يستثن بما خرج عن الجمهور لقلته, لا لأنه لم يقع إليه. ألا تراه قال: إن مثال2 "فَيْعُل" لم يأت في الكلام, وقد قال الأعشى:
وما أَيْبُلِيّ على هيكل ... بناه وصلب فيه وصارا
فقوله: "أيبلي" هو فَيْعُلِيّ. قال أبو علي: واشتقاقه من أَبَلَ3 بالمكان: إذا أقام به, وأبلت الإبل بالرطب عن الماء أي: أقامت عليه واجتزأت به عن الماء, فكأن هذا الراهب اجتزأ بما في هيكله وأقام عليه, ولم يتعده إلى غيره.
قال: وإنما لم يذكر سيبويه هذا الحرف لشذوذه وخروجه عن الجمهور, فكذلك أبو عثمان لم يذكر "مَرْمَرِيسًا"؛ لأنه لا نظير له. على أنه أيضا4 لم يقل: إن الفاء لم تضعف.
قال أبو علي: وقد يأتي مع ياءي5 الإضافة من الأمثلة ما لا يأتي مع غيرهما. ألا ترى أنهم قالوا في الإضافة إلى تحية: تَحَوِيّ؟ قال6: فتحوي وزنه7: تَفَلِيّ. وهذا مثال لا يقع إلا مع ياءي الإضافة من الأمثلة8.
قال: وكذلك تاء التأنيث, ألا ترى أنه لولا تاء التأنيث لم يأت مثل "عَرْقُوَة وقَمَحْدُوَة9 وتَرْقُوَة" مصححا, فقد يجيء مع تاء التأنيث وياءي الإضافة