قال أبو الفتح: اعلم أن هذه اللفظة قد تنازع الناس فيها الخلاف, وأنا أذكر ما قيل فيها.
قال ابن دريد: اختلف أهل اللغة فيه -يعني منجنيقا- فقال قوم: الميم زائدة, وقال آخرون: بل هي أصلية.
قال1: وأخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة -وأحسب أن أبا عثمان أيضا أخبرنا به عن التوزي عن أبي عبيدة- قال: سألت أعرابيا عن حروب كانت بينهم, فقال: "كانت بيننا حروب عُون، تُفقأ فيها العيون مرة، ثم نُجنق، وأخرى نُرشَق". قال: فقوله2: "نجنق" دال على أن الميم زائدة، ولو كانت أصلية لقال: "نُمجنَق" على أن المنجنيق أعجمي معرب, فهذا قول ابن دريد كما تراه.
والقول عندي: أن الميم من نفس الحرف كما ذهب إليه أبو عثمان, والنون زائدة لقولهم: "مجانيق" وسقوط النون في الجمع, فجرت لذلك مجرى الياء في عَيْضَمُوز إذا قلت: عَضَاميز. فأما قوله3 تارة: "نُجنَق" وما حكاه الفراء من قولهم: "جَنَقُوهم بالمجانيق" فالقول فيه عندي أنه مشتق من المنجنيق إلا أن فيه ضربا من التخليط, وكان قياسه: "مَجْنَقوهم، وتَمَجْنق".
ولكنهم إذا اشتقوا من الأعجمي خلطوا فيه؛ لأنه ليس من كلامهم فاجترءوا عليه فغيروه، وذلك أن الميم وإن كانت هنا أصلا, فإنها قد تكون في غير هذه الكلمة زائدة، فشبهت بالزائد فحذفت عند اشتقاقهم الفعل.