إن الإنسان ـ مطلق الإنسان ـ له حرمته عند الله، وإن الاستخفاف بهذه الحرمة عدوان على حمى الله .. ولهذا كان من أعظم القربات عند الله سبحانه وتعالى، هو رد اعتبار هذا الإنسان، وتصحيح وجوده بين الناس .. إنه خليفة الله فى الأرض! (?)
وقد نزل هذا النص والإسلام في مكة محاصر وليست له دولة تقوم على شريعته. وكان الرق عاما في الجزيرة العربية وفي العالم من حولها. وكان الرقيق يعاملون معاملة قاسية على الإطلاق. فلما أن أسلم بعضهم كعمار بن ياسر وأسرته، وبلال بن رباح، وصهيب .. وغيرهم - رضي الله عنهم جميعا - اشتد عليهم البلاء من سادتهم العتاة، وأسلموهم إلى تعذيب لا يطاق. وبدا أن طريق الخلاص لهم هو تحريرهم بشرائهم من سادتهم القساة، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - هو السابق كعادته دائما إلى التلبية والاستجابة في ثبات وطمأنينة واستقامة .. (?)
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَمُرُّ بِبِلَالٍ وَهُوَ يُعَذَّبُ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ، أَحَدٌ، فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ اللَّهُ يَا بِلَالُ، ثُمَّ يُقْبِلُ وَرَقَةُ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَمَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِبِلَالٍ مِنْ بَنِي جُمَحَ، فَيَقُولُ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ إِنْ قَتَلْتُمُوهُ عَلَى هَذَا لَاتَّخَذْتُهُ حَنَانًا، حَتَّى مَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ يَوْمًا، وَهُمْ يَصْنَعُونَ بِهِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ دَارُ أَبِي بَكْرٍ فِي بَنِي جُمَحَ، فَقَالَ لِأُمَيَّةَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذَا الْمِسْكِينِ، حَتَّى مَتَى؟ قَالَ: أَنْتَ أَفْسَدْتَهُ فَأَنْقِذْهُ مِمَّا تَرَى، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَفْعَلُ، عِنْدِي غُلَامٌ أَسْوَدُ أَجْلَدُ مِنْهُ وَأَقْوَى عَلَى دِينِكَ، أُعْطِيكَهُ بِهِ، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، قَالَ: هُوَ لَكَ. فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ غُلَامَهُ ذَلِكَ، وَأَخَذَ بِلَالًا فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَعْتَقَ مَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ مِنْ مَكَّةَ سِتَّ رِقَابٍ - بِلَالٌ سَابِعُهُمْ - عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأُمَّ عُبَيْسٍ، وَزِنَّيْرَةَ، فَأُصِيبَ بَصَرُهَا حِينَ أَعْتَقَهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا أَذْهَبْ بَصَرَهَا إِلَّا اللَّاتُ وَالْعُزَّى، فَقَالَتْ: حُرِقُوا، وَبَيْتِ اللَّهِ مَا يَضُرُّ اللَّاتُ وَالْعُزَّى وَمَا يَنْفَعَانِ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهَا بَصَرَهَا، وَأَعْتَقَ النَّهْدِيَّةَ وَابْنَتَهَا، وَكَانَتَا لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَمَرَّ بِهِمَا وَقَدْ بَعَثَتْهُمَا