وَكَانَ كُلُّ " وَاحِدٍ يَرْفُضُ " مَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ " وَلَا يَرَاهُ " دَلِيلًا قَاطِعًا، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَسُوغُ لِكُلِّ فَرِيقٍ تَكْفِيرُ خَصْمِهِ بِمُجَرَّدِ ظَنِّهِ أَنَّهُ غَالَطَ فِي الْبُرْهَانِ نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ نُسَمِّيَهُ ضَالًّا؛ لِأَنَّهُ ضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ، أَوْ مُبْتَدِعًا؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَعَ أَقْوَالًا لَمْ يَقُلْهَا السَّلَفُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَدْ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَاتِ لَيْسَ جَهْلًا بِالْمَوْصُوفَاتِ، وَقَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي عِبَارَاتٍ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ وَاحِدٌ، وَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ بِمَنْ كَتَبَ إلَى عَبِيدِهِ " فَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ " فَاخْتَلَفُوا فِي صِفَاتِهِ هَلْ هُوَ أَبْيَضُ أَوْ أَسْوَدُ أَوْ أَحْمَرُ أَوْ أَسْمَرُ؟ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي " صِفَتِهِ " اخْتِلَافٌ فِي كَوْنِهِ سَيِّدَهُمْ الْمُسْتَحِقَّ لِطَاعَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْمُسْلِمِينَ فِي صِفَاتِ الْإِلَهِ " لَيْسَ " اخْتِلَافًا فِي كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي جِهَةِ " " كَوْنِهِ خَالِقَهُمْ " وَسَيِّدَهُمْ الْمُسْتَحِقَّ لِطَاعَتِهِمْ، فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ " وَتَعَالَى " فِي جِهَةِ كَوْنِهِ حَادِثًا قُلْنَا: لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، لِأَنَّ الْمُجَسِّمَةَ جَازِمُونَ بِأَنَّهُ فِي جِهَةٍ وَجَازِمُونَ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لَيْسَ بِمُحْدَثٍ.

وَالْعَجَبُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّةَ اخْتَلَفُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَاتِ كَالْقِدَمِ وَفِي الْأَحْوَالِ كَالْعَالَمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَفِي تَعَدُّدِ الْكَلَامِ وَاتِّحَادِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُكَفِّرْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى كَوْنِهِ حَيًّا قَادِرًا سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا فَاتَّفَقُوا عَلَى كَمَالِهِ بِذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015