لَهُ فَسْخُ الرَّدِّ، لِأَنَّ الْفَسْخَ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ، كَمَا لَوْ تَقَايَلَ ثُمَّ عَلِمَ عَيْبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ فَسْخُ الرَّدِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ، إذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ.
وَمِثْلُهُ قَوْلِهِمْ: إذَا قُلْنَا: " يَمْتَدُّ " خِيَارُ التَّصْرِيَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَاطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ " ثَلَاثٍ "، لَا رَدَّ لَهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الرَّدُّ وَيَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ بَعْدَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ انْتَهَى وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، فَقَالَ: إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ الثَّلَاثِ رَدَّ، كَسَائِرِ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا الثَّلَاثُ فُسْحَةٌ لَهُ إذَا عَلِمَ " التَّصْرِيَةَ " فِيهَا فَلَهُ تَأْخِيرُهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ وَالِانْفِسَاخَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ دُونَ الْفُسُوخِ، وَكَذَا الْعَزْلُ وَالِانْعِزَالُ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ قَالَ " لَوْ " عَزَلَ الْمُودِعُ نَفْسَهُ فَوَجْهَانِ إنْ قُلْنَا: الْوَدِيعَةُ عَقْدٌ ارْتَفَعَتْ أَوْ مُجَرَّدُ إذْنٍ فَالْعَزْلُ لَغْوٌ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِي تَنَاوُلِ طَعَامِهِ لِلضِّيفَانِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَزَلْت نَفْسِي فَيَلْغُو قَوْلُهُ. قُلْت: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَمِينِ الْمَالِكِ، أَمَّا الْأَمَانَاتُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَا تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ، فَلَوْ قَالَ: فَسَخْت الْأَمَانَةَ كَانَ عَلَى الْأَمَانَةِ، فَمَتَى لَمْ يَرُدَّ حَتَّى هَلَكَتْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا لَا ضَمَانَ.
وَمِمَّا " يَبْنِي " عَلَى هَذَا أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَنْعَزِلُ عَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَقْدٍ.
وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ جَعَلَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: عَزَلْت نَفْسِي لَا يَنْعَزِلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: أُلْزِمْت الْعَقْدَ فَيُلْزَمُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ فَقَالَ فُلَانٌ " عَزَلْت نَفْسِي عَنْ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِمَشِيئَتِي فَلَا يَصِحُّ بَلْ مَتَى شَاءَ وَقَعَ.