الْخَامِسَةُ: الْقَاضِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ " الْقَضَاءُ " وَهُوَ مُحْتَاجٌ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَتَعَطَّلُ بِالْقَضَاءِ عَنْ الْكَسْبِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لَمْ يَجُزْ " لَهُ "، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْأَقْضِيَةِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ الَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ.
السَّادِسَةُ: لَوْ " أَجَرَهُ " عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ كَالتَّعْلِيمِ وَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ صَحَّ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَصَحِّ.
السَّابِعَةُ: أَرْبَابُ الْحِرَفِ إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِمْ يَعْمَلُونَ بِالْأُجْرَةِ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ تَعْلِيمُ الْفَاتِحَةِ لِلْجَاهِلِ بِأُجْرَةٍ.
الثَّامِنَةُ: مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ شَهَادَةٍ وَدُعِيَ إلَيْهَا جَازَ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ " فِي " الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ الْأَدَاءِ لِلتُّهْمَةِ، أَمَّا لَوْ أَتَاهُ الْمُتَحَمِّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ.
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ " عَلَى " قَطْعِ الْمَسَافَةِ لَا عَلَى نَفْسِ التَّحَمُّلِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَا يَأْخُذُ الشَّاهِدُ الرِّزْقَ عَلَى الشَّهَادَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِاتِّهَامِهِ، قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَكَثِيرًا مَا يَسْأَلُ عَنْ التُّهْمَةِ الَّتِي تَحْلِقُ الشَّاهِدَ فِي أَخْذِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَيُجَابُ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا فِي الْأَدَاءِ فَلِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي التَّحَمُّلِ " فَلَا تُهْمَةَ " إذَا لَمْ يَنْحَصِرُوا " فَجُعِلَ " الرِّزْقُ لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمَجْعُولُ لَهُ لَا يَتِمُّ بِهِ الْمَقْصُودُ فَرَجَحَ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَوَجْهُ التُّهْمَةِ فِي الْأَدَاءِ ظَاهِرٌ، وَفِي التَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْأَدَاءُ عِنْدَ الطَّلَبِ، وَإِذَا عُلِمَ مِنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ لَا يَقُومُونَ بِذَلِكَ، إلَّا بِجُعْلٍ مَعَ أَنَّ مَا يَشْهَدُونَ بِهِ لَا شَيْءَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ تَطَرَّقَ إلَيْهِمْ التُّهْمَةُ بِاحْتِمَالِ " ارْتِشَاءٍ " فَسُدَّ ذَلِكَ الْبَابُ.