وَمِنْهَا: أَنَّ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يُبَاحُ لَهُمْ الْفِطْرُ بِشَرْطِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ، كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، فَقَالَ لَوْ جَامَعَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ نِيَّةَ التَّرَخُّصِ عَصَى.
وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّرَخُّصَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ، يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ " يَقْصِدْهُ " فَوَجْهَانِ، وَكَانَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، يَسْتَشْكِلُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَةِ مِنْ بَابِ " التُّرُوكِ "، لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَلِهَذَا لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ قَالُوا: لِلْمُنْفَرِدِ الْخُرُوجُ مِنْ الْفَرْضِ لِيَفْعَلَهُ فِي جَمَاعَةٍ فَلَمْ يُلْزِمُوهُ نِيَّةَ الْخُرُوجِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ، وَلَا يَسْتَدْعِي الْفِطْرُ نِيَّةً، بِخِلَافِ إتْمَامِ الصَّلَاةِ.
السَّادِسُ: الْتِزَامُ إبْطَالِ الرُّخْصَةِ مَمْنُوعٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِصَدَقَةٍ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» ، فَإِذَا نَذَرَ صَلَاةَ النَّفْلِ قَائِمًا أَوْ أَنْ يَصُومَ فِي السَّفَرِ أَوْ " إتْمَامَ " الصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ غَسْلَ الرِّجْلِ، وَلَا يَمْسَحُ الْخُفَّ أَوْ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ أَوْ التَّثْلِيثَ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوَهُ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْبَغَوِيُّ يَنْعَقِدُ، لِأَنَّهُ أَفْضَلُ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ نَذَرَ خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ الشَّرْعِ.