وَفِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَكَايِدِهَا وَأَشَدُّ إقْدَامًا عَلَيْهَا وَأَعْرَفُ بِسِيَاسَتِهِ فِيهَا.
وَفِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِتَدْبِيرِ الْأَيْتَامِ، وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِهِمْ.
وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ نَاقِصًا فِي بَابٍ كَامِلًا فِي غَيْرِهِ، كَالْمَرْأَةِ نَاقِصَةٌ فِي الْحُرُوبِ كَامِلَةٌ فِي حَضَانَةِ الطِّفْلِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ عُرَاةٌ وَهُنَاكَ ثَوْبٌ وَأَرَادَ مَالِكُهُ إعَارَتَهُ لَهُمْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّسَاءِ، ثُمَّ بِالرِّجَالِ، لِأَنَّ عَوْرَتَهُنَّ أَغْلَظُ وَآكَدُ حُرْمَةً، فَكَانَ الْبُدَاءَةُ بِسَتْرِهَا أَوْلَى.
وَمِنْ هَذَا تَقْدِيمُ الْفَقِيهِ عَلَى الْقَارِئِ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِإِقَامَةِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَدَرْءِ مُفْسِدَاتِهَا.
وَقُدِّمَ الْإِمَامُ عَلَى الْجَمِيعِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْخَاصَّةِ.
وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ التَّقْدِيمُ بِالْمَكَانِ كَمَالِكِ الدَّارِ، وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ الْمَكَانَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ رِعَايَتُهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ الْمَالِكِ وَالْإِمَامِ.
وَلِهَذَا، إذَا اجْتَمَعَتْ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، وَفَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا قُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا خَرَجُوا عَنْ هَذَا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ.»