يَذْكُرَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَالتَّعْرِيضَ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ، كَمَا يَقُولُ الْمُحْتَاجُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ جِئْتُك لِأُسَلِّمَ عَلَيْك وَلِأَنْظُرَ إلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ فَكَأَنَّهُ إمَالَةُ الْكَلَامِ إلَى غَرَضٍ يَدُلُّ عَلَى الْغَرَضِ وَيُسَمَّى التَّلْوِيحَ، لِأَنَّهُ يَلُوحُ مِنْهُ مَا يُرِيدُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ، إلَّا فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ (كَقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْحَلَالِ وَأَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ، فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَنَا، وَإِنْ نَفَاهُ) خِلَافًا لِمَالِكٍ.
قَالَ (ابْنُ الْعَرَبِيِّ) خَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَلَا عُذْرَ لَهُ، لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ، لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا فِي الْكِنَايَةِ مِنْ الْإِبْهَامِ.
قُلْت إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ لَا يُوجِبُهُ، وَلَمْ يُخَالَفْ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي حَالَةِ التَّخَاصُمِ مَعَ الْغَيْرِ نِسْبَةُ صَاحِبِهِ إلَى شَيْءٍ وَتَزْكِيَةُ نَفْسِهِ لَا قَذْفُهُ، وَهُوَ وَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ فَهُوَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَلِأَنَّهُ لَا إشْعَارَ لِلَّفْظِ بِهِ وَإِنَّمَا يُظَنُّ مِنْ خَارِجٍ وَالْحُدُودُ يُحْتَاطُ فِيهَا، فَلَا يَثْبُتُ مُوجِبُهَا إلَّا بِاللَّفْظِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ.
وَمِنْ فُرُوعِهِ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْهَجْوِ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، لَا يَكُونُ هَجْوًا، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَجْوًا، كَالصَّرِيحِ، وَقَدْ يَزِيدُ بَعْضُ التَّعْرِيضِ عَلَى التَّصْرِيحِ.