الْأَصْلِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْوَصْفِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَطْعًا كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ.
وَنَهْيٌ وَرَدَ لِغَيْرِهِ وَلَكِنْ لِذَلِكَ الْغَيْرِ اتِّصَالٌ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَصْفِهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلِ وَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَعِنْدَنَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَعِنْدَهُمْ لَا يَقْتَضِيهِ فَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ فَالْبَيْعُ مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ وَذَلِكَ حَلَالٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ حَرَامًا بِاعْتِبَارِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ بِدُونِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْعَقْدِ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهِ فَالْفَسَادُ مُتَّصِلٌ بِوَصْفِ الْعَقْدِ مِنْ هَذَا (الْوَجْهِ) وَهَكَذَا سَائِرُ صُوَرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلِهَذَا عِنْدَنَا لَا يُفِيدُ الْمُلْكُ خِلَافًا لَهُمْ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ هَذَا الْأَصْلُ.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي التَّأْثِيمِ الْعِلْمُ بِالنَّهْيِ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: يَأْثَمُ الْخَاطِبُ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ إذَا عَلِمَ بِالنَّهْيِ، وَكَذَا فِي السَّوْمِ عَلَى سَوْمِهِ وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِهِ، فَأَمَّا النَّجَشُ فَإِنَّهُ يَعْصِي سَوَاءٌ عَلِمَ (النَّهْيَ) أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْغُرُورَ وَالْخِيَانَةَ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ فِي الشَّرِيعَةِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ (ذَلِكَ) لَا يَعْرِفُ حُرْمَتَهُ إلَّا الْخَوَاصُّ.
قُلْت: وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَفْرِيقِ الرَّافِعِيِّ بَيْنَهُمَا بِإِدْرَاكِ الْعَقْلِ حُرْمَتَهُ وَلَا مَعْنَى لِمَنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِنَصِّ (الْإِمَامِ) الشَّافِعِيِّ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ بِالْعِلْمِ بِالنَّهْيِ فِي النَّجْشِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) النَّهْيُ الْعَامُّ فِي الْغُرُورِ وَالْخِيَانَةِ وَمُرَادُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ النَّهْيَ الْخَاصَّ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا.