وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا (الدَّارِمِيُّ) فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِمَا مَا لَوْ دَفَعَ إلَى الْإِمَامِ وَلَمْ يَنْوِ هَلْ يُجْزِيهِ وَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْفَرْضِيَّةِ. الثَّانِي: النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: الْأَوْلَى أَنْ لَا تُجْعَلَ النِّيَّةُ فِيهِ لِلْقُرْبَةِ بَلْ لِلتَّمْيِيزِ وَلَوْ كَانَتْ لِلْقُرْبَةِ لَمَا جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَدَاءِ الْوُضُوءِ وَحَذْفِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَدَاءَ الْوُضُوءِ كَفَاهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا مِنْهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَكْسٌ لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ جَعَلَ الِاكْتِفَاءَ بِأَدَاءِ الْوُضُوءِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ قُرْبَةٌ، وَالرَّافِعِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ، وَعِبَارَةُ الْإِمَامِ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ أَنَّ نِيَّةَ الْوُضُوءِ مِنْ نِيَّةِ الْقُرُبَاتِ (وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ) أَوْجَبَ النِّيَّةَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوُضُوءَ قُرْبَةٌ، وَمَا قَطَعَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوُضُوءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ نِيَّةُ الْقُرُبَاتِ، وَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْوُضُوءَ يَقَعُ تَنْظِيفًا وَيَقَعُ مَأْمُورًا بِهِ فَالْغَرَضُ مِنْ النِّيَّةِ إيقَاعُهُ مَأْمُورًا كَانَ ظَنًّا بَعِيدًا.
الثَّالِثُ: مِنْ الْأَفْعَالِ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَّةُ وَمِنْهَا مَا لَا تَدْخُلُهُ
فَمِنْ الْأَوَّلِ الْعِبَادَاتُ، فَأَمَّا الْوَاجِبُ الَّذِي لَمْ يُشْرَعْ عِبَادَةً، كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ وُصُولُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِدُونِهَا، وَأَمَّا الْمَنْدُوبَاتُ فَتَفْتَقِرُ إلَى قَصْدِ إيقَاعِهَا طَاعَةً لِيُثَابَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ الثَّوَابُ عَلَيْهَا افْتَقَرَتْ إلَيْهَا.