أَن يغلب محَارب الرَّسُول وَمَا كَانَ الْأَمر كَذَلِك بِخِلَاف الْخَوَارِج فَإِنَّهُم من جنس الْمُحَاربين لله وَرَسُوله فاقتصر عَلَيْهِم وَقد قَالَ تَعَالَى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله) يَعْنِي قطاع الطَّرِيق وَمَعَ هَذَا فَلَا نكفرهم بذلك وَلَو كفرناهم لقتلناهم وَلَا بُد

قَالَ وَقد أحسن بعض الْفُضَلَاء حَيْثُ يَقُول شَرّ من إِبْلِيس من لم يسْبقهُ فِي سالف طَاعَة وَجرى مَعَه فِي ميدان مَعْصِيّة قَالَ وَلَا شكّ بَين الْعلمَاء أَن إِبْلِيس كَانَ أعبد الْمَلَائِكَة وَكَانَ يحمل الْعَرْش وَحده سِتَّة آلَاف سنة ثمَّ استكبر وَلعن

وَمُعَاوِيَة لم يزل فِي الْإِشْرَاك وَعبادَة الْأَصْنَام إِلَى أَن أسلم ثمَّ استكبر عَن طَاعَة الله فِي نصب أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ إِمَامًا فَكَانَ شرا من إِبْلِيس

فَنَقُول هَذَا الْكَلَام فِيهِ من الْجَهْل والضلال وَالْخُرُوج عَن دين الْإِسْلَام وكل دين بل وَعَن الْعقل الَّذِي يكون لكثير من الْكفَّار مَا لَا يخفى على من تدبره

فَإِن إِبْلِيس أكفر الْكَفَرَة وَمن كفر فَإِنَّمَا هُوَ من أَتْبَاعه وقتلاه فَكيف يكون أحد شرا مِنْهُ وَقَول الْقَائِل شَرّ من إِبْلِيس من لم يسْبقهُ إِلَى طَاعَة هَذَا يَقْتَضِي أَن كل من عصى الله فَهُوَ شَرّ من إِبْلِيس

ثمَّ نقُول إِن أحدا من الْبشر لَا يجْرِي مَعَ إِبْلِيس فِي ميدان مَعْصِيَته كلهَا وَلَا يتَصَوَّر أَن بشرا يُسَاوِيه فِي مَعْصِيَته لِأَنَّهُ عاند ربه كفاحا ثمَّ تفرغ لإغواء الْخلق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

ثمَّ عِبَادَته الْمُتَقَدّمَة حبطت بِكُفْرِهِ

وَأَيْضًا فَمن الَّذين قَالَ إِن إِبْلِيس كَانَ أعبد الْمَلَائِكَة وَأَنه حمل الْعَرْش وَحده وَأَنه كَانَ طَاوس الْمَلَائِكَة وَأَنه مَا ترك فِي السَّمَاء رقْعَة وَلَا فِي الأَرْض بقْعَة إِلَّا وَله فِيهَا سَجْدَة وركعة هَذَا مبناه على النَّقْل وَلم تأت آيَة وَلَا حَدِيث بذلك

ثمَّ يفترى ويكذب وَيَقُول لَا شكّ بَين الْعلمَاء فَهَذَا إِن كَانَ قَالَه بعض الوعاظ أَو المصنفين فِي الرَّقَائِق أَو بعض من ينْقل فِي التَّفْسِير من الْإسْرَائِيلِيات مَا لَا أصل لَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015