(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي طَلَاقِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَهِيَ بِكْرٌ فَيَعْفُو أَبُوهَا عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِزَوْجِهَا مِنْ أَبِيهَا فِيمَا وَضَعَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّاتِي قَدْ دَخَلَ بِهِنَّ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْت فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ النَّظَرَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّدَاقِ خَاصَّةً وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَحُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ قَدْ تَمَّ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ وَفَاتَ النَّظَرُ فِيهِ وَإِذَا ثَبَتَ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهُ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْمِيرَاثُ فَقَدْ يُفْسَخُ الصَّدَاقُ وَيَثْبُتُ التَّوَارُثُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِلصَّدَاقِ.

1 -

(فَرْعٌ) وَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ فَإِنْ مَاتَ بِحَدَثَانِ ذَلِكَ حَلَفَ الْوَلِيُّ مَا رَضِيَ وَلَا أَجَازَ وَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ بَعْدَ عِلْمِهِ فَلَا كَلَامَ لِلْوَلِيِّ مَعْنَاهُ وَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ إمْسَاكَ الْوَلِيِّ عَنْ فَسْخِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ يَقْتَضِي الرِّضَا بِهِ وَيُوجِبُ بَقَاءَهُ عَلَى حُكْمِهِ فَإِذَا مَاتَ بِقُرْبِ عِلْمِ الْوَلِيِّ بِذَلِكَ بِمِثْلِ مَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَرَدْت الِارْتِيَاءَ أَوْ لَمْ يُمْكِنِّي الْقِيَامُ مَعَ عَزْمِي عَلَيْهِ حَلَفَ أَنَّهُ مَا رَضِيَ وَلَا أَمْضَى وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ عِلْمِهِ وَتَرَكَ الِاعْتِرَاضَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرِّضَا بِذَلِكَ وَالْإِمْضَاءِ لَهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ فَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَوَارَثَانِ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَيُّهُمَا مَاتَ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ غِبْطَةً جَرَى فِيهِ الْمِيرَاثُ وَالصَّدَاقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غِبْطَةً فَلَا مِيرَاثَ فِيهِ وَلَا صَدَاقَ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ عَفْوَ الْأَبِ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا طَلُقَتْ ابْنَتُهُ الْبِكْرُ جَائِزٌ بَلَغَتْ الْمَحِيضَ أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعَلْقَمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.

وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَيْسَ ذَلِكَ لِلْأَبِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] قَالَ شُيُوخُنَا فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] يُرِيدُ النِّسَاءَ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] الْأَبُ فِي الْبِكْرِ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] يُرِيدُ الزَّوْجَ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْوَلِيُّ بَلْ هُوَ الزَّوْجُ وَهَذَا الِاسْمُ أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِلْعَقْدِ مِنْ الْوَلِيِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الزَّوْجَ أَمْلَكُ بِالْعَقْدِ مِنْ الْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بَلْ أَبُ الْبِكْرِ يَمْلِكُهُ خَاصَّةً دُونَ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ بُضْعُ الْبِكْرِ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْأَبُ يَمْلِكُهُ، وَجَوَابٌ ثَانٍ أَنَّ وَضْعَ هَذَا الِاسْمِ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْلَى لِأَنَّ هَذَا أَبْلَغُ صِفَاتِهِ مِنْ هَذَا الْعَقْدِ وَجَمِيعُ مَالِهِ مِنْهُ وَأَمَّا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فَلَهُمَا فِي هَذَا الْعَقْدِ اسْمٌ أَخَصُّ مِنْ هَذَا الِاسْمِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ لَهُ وَالْوَلِيُّ عَارٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَيْسَ لَهُ بِالْعَقْدِ تَعَلُّقٌ إلَّا أَنَّهُ عَاقِدُهُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفْهَمَ عِنْدَ إطْلَاقِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الزَّوْجُ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَجَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الزَّوْجَةُ لِأَنَّ بِيَدِهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الْعَقْدِ وَأَنْ تُمْضِيَهُ، وَكَانَ لِآخَرَ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ يَلِي نَفْسَهُ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ.

وَجَوَابٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّنَا إذَا قُلْنَا إنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْوَلِيُّ اسْتَوْعَبَتْ الْآيَةُ جِهَاتِ الزَّوْجِيَّةِ كُلَّهَا دُونَ تَكْرَارٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا إخْلَالٍ بِجِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهَا وَإِذَا حُمِلَ " الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ " عَلَى الزَّوْجِ لَمْ تَتَنَاوَلْ الْآيَةُ الْوَلِيَّ وَتَكَرَّرَ فِيهَا ذِكْرُ الزَّوْجِ فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى لِأَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى فَائِدَةٍ مُجَرَّدَةٍ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّكْرَارِ.

وَجَوَابٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَأَخْبَرَ عَنْ الزَّوْجَاتِ ثُمَّ قَالَ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَأَخْبَرَ عَنْ الْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] فَخَاطَبَ الْأَزْوَاجَ الَّذِينَ اسْتَفْتَحَ مُوَاجَهَتَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015