فَلَمَّا قَدِمْت الْمَدِينَةَ سَأَلْت عُلَمَاءَهَا فَأَمَرُونِي أَنْ أَمْشِيَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ حَيْثُ عَجَزْت فَمَشَيْت) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ كَانَ عَلَيَّ مَشْيٌ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ بِنَذْرٍ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِمِثْلِ هَذَا فَمَكْرُوهٌ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَلَى فَضْلِهِ وَعِلْمِهِ لَا يَحْلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَادِرَةِ غَضَبٍ وَحَرَجٍ وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي صِبَاهُ وَقَبْلَ أَنْ يَفْقَهَ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حُكْمِهِ عَطَاءً وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
(فَصْلٌ) :
فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ يُرِيدُ وَجَعَ خَاصِرَةٍ مَنَعَتْهُ الْمَشْيَ فَرَكِبَ حَتَّى أَكْمَلَ سَفَرَهُ بِالْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ سَأَلَ عَطَاءً أَوْ مَنْ وَجَدَ بِمَكَّةَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَأَفْتَوْهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ الْعَوْدَةَ لِجَبْرِ مَا رَكِبَهُ فِي سَفَرِهِ وَلِذَلِكَ خَالَفَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ جَبْرَ الْمَشْيِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ أَنَّهُ سَأَلَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ لِتَطِيبَ نَفْسُهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى حُكْمِهِ فَلَمَّا وَجَدَ الْخِلَافَ أَخَذَ بِالْأَحْوَطِ وَعَادَ لِإِتْمَامِ الْمَشْيِ.
ص (قَالَ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ يَقُولُ: عَلَيَّ مَشْيٌ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ رَكِبَ ثُمَّ عَادَ فَمَشَى مِنْ حَيْثُ عَجَزَ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَلْيَمْشِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَرْكَبَ وَعَلَيْهِ هَدْيُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هِيَ) .
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى يُرِيدُ مَكَّةَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ فِي بَعْضِ طَرِيقِهِ عَنْ الْمَشْيِ أَنَّهُ يَرْكَبُ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ وَالْأَدَاءِ لِمَا الْتَزَمَهُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ وَإِنَّمَا مِنْ حُكْمِ الْمَشْيِ أَنْ يَكُونَ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَإِنْ فَرَّقَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَيَبْتَدِئُ الْمُضِيَّ وَيَجِيءُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْمَشْيَ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ وَإِنْ فَرَّقَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ فَرَّقَهُ لِلْعَجْزِ عَنْ الْمَشْيِ بِالضَّعْفِ عَنْهُ وَلَا يَخْلُو مِنْ حَالَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَطْمَعَ بِإِكْمَالِ الْمَشْيِ فِي سَفَرِهِ ثَانِيَةً عَلَى وَجْهِ التَّلْفِيقِ أَوْ يَيْأَسَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يَطْمَعُ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْشِي مَا اسْتَطَاعَ فَإِذَا عَجَزَ رَكِبَ حَتَّى يَسْتَرِيحَ ثُمَّ يَنْزِلُ وَيَمْشِي وَيَحْصِي مَوَاضِعَ الرُّكُوبِ ثُمَّ يَعُودُ مَرَّةً أُخْرَى وَيَمْشِي مَا رَكِبَ وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَفْرِيقِ الْمَشْيِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثَةِ أُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمَشْيَ قَدْ لَزِمَهُ بِنَذْرِهِ أَوْ حِنْثِهِ فِي يَمِينِهِ وَالثَّانِي إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ فِي طَرِيقِهِ لَا يُمْكِنُهُ التَّوَقُّفُ وَالْإِرَاحَةُ بِكُلِّ مَوْضِعٍ يُدْرِكُهُ فِيهِ الْعَجْزُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمَسِيرِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالرُّكُوبِ إلَى أَنْ يُرِيحَ فَجَازَ لَهُ الرُّكُوبُ لِذَلِكَ وَلَا يَنُوبُ الرُّكُوبُ عَنْ الْمَشْيِ وَإِنَّمَا يُجْزِئُهُ الْوُصُولُ وَيَبْقَى مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْمَشْيِ فِي ذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي الْتَزَمَهُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِي نُسُكٍ مِنْ جِنْسِ نُسُكِهِ الَّذِي لَزِمَهُ فِيهِ فَلَزِمَهُ التَّلْفِيقُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَالثَّالِثُ أَنَّ الْقَضَاءَ أَقَلُّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكَادُ أَنْ تَلْحَقَ الْمَشَقَّةُ فِيهِ فَلِذَلِكَ لَزِمَ التَّلْفِيقُ مَنْ رَجَا أَنْ يُتِمَّ قَضَى مَشْيَهُ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَمَنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُلَفِّقَ بِالْقَضَاءِ فَفِي أَكْثَرَ مِنْ سَفَرٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ التَّكَرُّرَ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلَا نِهَايَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَ لِلتَّلْفِيقِ فِي الْقَضَاءِ فَلَمْ يَسْتَوْفِهِ لَمْ يَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ مَرَّةً أُخْرَى لِلْقَضَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يُلَفَّقُ وَإِنَّمَا يُلَفَّقُ بِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ كَانَ لَا يَطْمَعُ بِالْإِكْمَالِ بِالْمَشْيِ فِي سَفَرِهِ ثَانِيَةً لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَلْيَمْشِ مَا اسْتَطَاعَ فِي سَفَرِهِ الْأَوَّلِ وَيُهْدِي وَلَا يَعُودُ لِلتَّلْفِيقِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو عَجْزُهُ عَنْ مَشْيِ بَعْضِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْ رَكِبَ مِنْهُ الْكَثِيرَ أَوْ رَكِبَ مِنْهُ الْيَسِيرَ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ أَوْ رَكِبَ الْأَمْيَالَ فَإِنْ كَانَ رَكِبَ الْكَثِيرَ مِثْلَ أَنْ يَرْكَبَ عَقَبَةً وَيَمْشِيَ عَقَبَةً فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ إنْ هَذَا رَجَعَ ابْتَدَأَ الْمَشْيَ كُلَّهُ مِنْ أَوَّلِهِ وَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ يَمْشِي مَا رَكِبَ فِيهِ مِنْ تَفْصِيلِ وَجْهِ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ حُمِلَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الرُّكُوبُ حَتَّى سَاوَى بِالْمَشْيِ أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِمَا مَشَى حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إذَا كَانَ الرُّكُوبُ تَبَعًا وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ النَّقْصُ