[كتاب النذور والأيمان]

[ما يجب من النذور في المشي]

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا) كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْضِهِ عَنْهَا» )

ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ حَفْنَةٍ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَمَّ كِتَابُ الْجِهَادِ بِحَمْدِ اللَّهِ.

[كِتَابُ النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ]

[مَا يَجِبُ مِنْ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ]

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ سَأَلَهُ سُؤَالَ الْمُلْتَزِمِ لِحُكْمِهِ الرَّاجِعِ إلَى قَوْلِهِ وَذَلِكَ يُسَمَّى مُسْتَفْتِيًا وَقَوْلُ الْمُفْتِي لَهُ يُسَمَّى فَتْوَى وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِلْعَامِّيِّ مَعَ الْعَالِمِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لَهُ وَالْمُذَاكَرَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْتَاءِ فَأَمَّا الْعَالِمَانِ اللَّذَانِ يَسُوغُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاجْتِهَادُ مَعَ وُجُودِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ إذَا سَأَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لَا يَخْلُو أَنْ يَسْأَلَهُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ وَالْمُذَاكَرَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْتَاءِ وَالتَّقْلِيدِ فَأَمَّا سُؤَالُهُ عَلَى وَجْهِ الْمُذَاكَرَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاسْتِفْتَاءٍ بَلْ هُوَ مُذَاكَرَةٌ وَمُنَاظَرَةٌ وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمَا إذَا الْتَزَمَا شُرُوطَ الْمُنَاظَرَةِ مِنْ الْإِنْصَافِ وَقَصْدِ إظْهَارِ الْحَقِّ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ وَتَبْيِينِهِ وَسَلِمَا مِنْ الْمِرَاءِ وَقَصْدِ الْمُغَالَبَةِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى وَقْتِنَا هَذَا وَأَمَّا سُؤَالُهُ إيَّاهُ مُسْتَفْتِيًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلْمِ وَيُمَكِّنُ السَّائِلَ مِنْ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِأَنَّ فَرْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِاجْتِهَادَ دُونَ السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا شُفُوفٌ فِي الْعِلْمِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلَّذِي دُونَهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَالدَّلِيلُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ فَرْضَهُ الِاجْتِهَادُ دُونَ السُّؤَالِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ خَافَ الْعَالِمُ فَوَاتَ الْحَادِثَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ غَيْرَهُ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَمَنَعَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا وَقَالُوا تَخْلِي الْقَضِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَتْرُكُهَا لِغَيْرِهِ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ وَأَمَّا مَا يَخُصُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي صِفَةِ الْمُفْتِي وَصِفَةِ الْمُسْتَفْتِي فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ مِمَّا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ لَمْ تَقْضِهِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّذْرَ مُبَاحٌ جَائِزٌ لِأَنَّ سَعْدًا ذَكَرَ أَنَّ أُمَّهُ نَذَرَتْ وَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْهُ بَلْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَخِيلِ» فَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَنْذِرَ لِمَعْنًى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا مِثْلِ أَنْ يَقُولَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرَضِي أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَّانِي مِنْ أَمْرِ كَذَا أَوْ رَزَقَنِي كَذَا فَإِنِّي أَصُومُ يَوْمَيْنِ أَوْ أُصَلِّي صَلَاةً أَوْ أَتَصَدَّقُ بِكَذَا فَهَذَا الْمَكْرُوهُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ ذَلِكَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَجَاءَ ثَوَابِهِ وَأَنْ يَكُونَ نَذْرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ دُونَ تَعَلُّقِ نَذْرِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَغَرَضِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّذْرَ يَلْزَمُ فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7] وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ» فَعَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَرْنَ بِأَهْلِهِ يَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015