(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّفْلِ هَلْ يَكُونُ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ؟ قَالَ: ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مُوَثَّقٌ إلَّا اجْتِهَادَ السُّلْطَانِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ فِي مَغَازِيهِ كُلِّهَا وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ نَفَّلَ فِي بَعْضِهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعَرَّضٌ لِمِثْلِ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَلْيُعْطَ مِنْهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ فَهُوَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاوَاةِ لَا يَفْضُلُ فِيهِ أَحَدٌ لِغَنَاءٍ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ أَحَدٌ لِقِلَّةِ غَنَاءٍ وَهُوَ أَحَبُّ الْأَقْوَالِ إلَى مَالِكٍ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ وَلَا يُخَمِّسُ وَإِنَّمَا يُخْرِجُ أَوَّلًا الْأَنْفَالَ لِلْقَاتِلِينَ ثُمَّ يُخَمِّسُ الْبَاقِيَ وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الْآخَرِ أَنَّ الْآخَرَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ مِمَّا يُحِبُّهُ وَلِهَذَا عَلَيْهِ مَزِيَّةٌ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إنَّ هَذَا أَوْلَى بِأَنْ يُؤْخَذَ بِهِ كَمَا يُقَالُ إقَامَةُ الْحُقُوقِ أَوْلَى مِنْ تَضْيِيعِهَا.
(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ النَّفْلِ هَلْ يَكُونُ فِي أَوَّلِ مَغْنَمٍ؟ مَعْنَاهُ أَنْ يُنَفِّلَ قَوْمًا يَخُصُّهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِأَمْرٍ يَنْفَرِدُونَ بِهِ مِنْ سَرِيَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِثْلُ أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً وَيُنَفِّلَهَا الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ حَكَمَ لَهَا بِهِ الْإِمَامُ وَحُكْمُهُ نَافِذٌ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَلَوْ غَنِمَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ ثُمَّ لَقِيَهَا عَسْكَرٌ آخَرُ لِلْمُسْلِمِينَ أَخْرَجَهُ الْخَلِيفَةُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ السَّرِيَّةُ ضَعِيفَةً عَنْ النُّفُوذِ بِمَا غَنِمَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْعَسْكَرِ الَّذِي انْفَصَلَتْ عَنْهُ عَوْنٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَسْكَرَ الثَّانِيَ يُشْرِكُهُمْ فِي النَّفْلِ وَالْغَنِيمَةِ فَمَا صَارَ لِلسَّرِيَّةِ مِنْ نَفْلٍ أَخَذَتْهُ وَمَا صَارَ لَهَا مِنْ مَغْنَمٍ ضُمَّ إلَى مَا يَأْتِي بِهِ الْعَسْكَرُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَغَانِمِ وَإِنْ كَانَتْ السَّرِيَّةُ قَوِيَّةً عَلَى التَّخَلُّصِ لَمْ يُشْرِكْهُمْ الْعَسْكَرُ الثَّانِي فِي نَفْلٍ وَلَا سَهْمٍ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ أَنْفَذَ الْأَمِيرُ سَرِيَّةً عَلَى أَنَّ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمُسِ نَفْلٌ لَهُمْ فَلَمَّا فُصِلَتْ أَشْهَدَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَغْنَمُوا وَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَغْنَمُوا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ يُرِيدُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَعُودُ لِمَنَافِعِهِمْ وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ يُرِيدُ مُؤَقَّتًا يَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ مَا كَانَ مَصْرُوفًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ يَفْعَلُهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ وَيَتْرُكُهُ إذَا تَرَكَهُ وَمَا حُدَّ بِالشَّرْعِ لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ فِيهِ وَلِذَلِكَ مَا كَانَ الْخُمُسُ مِنْ الْمَغْنَمِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُؤَقَّتًا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ وَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ بِاجْتِهَادِهِ وَلَمَّا كَانَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا لِغَنَائِهِ وَلَا يُنْقِصُ مِنْ حَظِّهِ لِضَعْفِهِ لِرَأْيٍ يَرَاهُ وَلَا لِمَصْلَحَةٍ يَعْتَقِدُهَا وَأَمَّا النَّفَلُ فَلَهُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ فَبَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ فِي مُغَازِيَةِ كُلِّهَا يَقْتَضِي نَفْيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرْوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ الثِّقَاتِ أَنَّهُ نَفَّلَ فِي مَغَازِيهِ وَالثَّانِي أَنْ يُرْوَى عَنْ ثِقَةٍ أَنَّهُ نَفَّلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ كَذَا حَتَّى يَسْتَوْعِبَ ذَلِكَ مَغَازِيَهُ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْوَجْهَيْنِ وَإِنَّمَا أَثْبَتَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَّلَ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسْبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَيَأْذَنُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لَازِمًا فِي كُلِّ غَزْوَةٍ لَحَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَائِرِ مَغَازِيهِ كَمَا حَكَمَ بِهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَلَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ حَكَمَ بِهِ لَبَلَغَنَا كَمَا بَلَغَ حُكْمُهُ بِذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لِمَا كَانَ يَرَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي تَرْكِ الْحُكْمِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.