(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَا يُصِيبُهُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ: إنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى أَهْلِهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدٍ) .
(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ حَازَ الْمُشْرِكُونَ غُلَامَهُ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ قَالَ مَالِكٌ: صَاحِبُهُ أَوْلَى بِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا غُرْمٍ مَا لَمْ تُصِبْهُ الْمَقَاسِمُ قَالَ: فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ لِسَيِّدِهِ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ لَهُ حَتَّى وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَمَعْنَى الرَّدِّ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ دُونَ ثَمَنٍ وَذَلِكَ إنْ أَخَذَ أَهْلُ الشِّرْكِ الشَّيْءَ عَلَى وَجْهِ الْقُهْرَةِ شُبْهَةَ تَمَلُّكٍ وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَمَلَّكُوهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصْلُحُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُمْلَكَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَهُ وَيُصَحِّحُهُ إسْلَامُهُ عَلَيْهِ أَوْ الْحُكْمُ لَهُ بِصِحَّتِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ مِلْكُهُمْ لِشَيْءٍ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَمَلَّكَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهِ وَرُدَّ إلَى صَاحِبِهِ وَكَذَلِكَ مَا أَصَابُوا مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يُعْلَمُ بِذَلِكَ حَتَّى قُسِمَ فَإِنَّ صَاحِبَهُ أَحَقُّ بِهِ يُرَدُّ إلَيْهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَيُعْطَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ فِي قَسْمِهِ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ جِهَةٌ يَمْلِكُ بِهَا الْمُسْلِمُ عَلَى الْمُشْرِكِ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَ بِهَا الْمُشْرِكُ عَلَى الْمُسْلِمِ كَالْبَيْعِ وَالصُّلْحِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنْ يَجِدَ الْإِنْسَانُ مِلْكَهُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِهَذَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ عَمْرو بْنُ دِينَارٍ: إذَا وَصَلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ لِلْغَانِمَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ مِلْكَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مَا غَنِمُوهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ وَلَوْ اسْتَقَرَّ لَمَا كَانَ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا بَعْدَهَا وَإِنَّمَا يَتَقَوَّى بِشُبْهَةِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا لَمْ تَقْتَرِنْ بِهِ شُبْهَةُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ أَثْبَتَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ هُوَ بِيَدِهِ أَحَقُّ بِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ إنَّ مَنْ صَارَ بِيَدِهِ لَهُ فِيهِ شُبْهَةُ مِلْكٍ وَمَنْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ ثَابِتٌ صَحِيحٌ كَانَ أَوْلَى وَحِيَازَةُ الْمُشْرِكِينَ لَهُ شُبْهَةُ مِلْكٍ لَمْ تَتِمَّ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ فَبَقِيَ لِصِحَابِهَا فِيهَا حَقٌّ وَلَوْ أَسْلَمَ مَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ لَبَطَلَ حَقُّ السَّيِّدِ مِنْهَا لِتَمَامِ مِلْكِهِ لَهَا وَحُكْمُ الْإِمَامِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ بِصِحَّةِ أَخْذِ الْغَانِمِينَ ثَمَنَهُ وَيَبْقَى لَهُ فِيهِ أَنْ يَفْتَدِيَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ يَتْرُكَهُ وَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ مِنْهُ لَمَا كَانَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهِ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَيَرْجِعُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ أَحَدٌ وَلَا دَعَتْهُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ غَيْرُ مُجَرَّدِ الضَّرُورَةِ فَيَجِبُ أَنْ يُرَدَّ فِيهِ وَيَنْقَضِ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ إلَّا بِالثَّمَنِ يُرِيدُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُدْفَعُ إلَيْهِ الْقِيمَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ إنَّ الْعَبْدَ لَا يُدْفَعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِنَّمَا رُدَّ إلَى سَيِّدِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ إلَيْهِ الْعَبْدُ أَوْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقًا تَامًّا فَلَا تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ عَلَى آخِذِهِ.
(ش) : قَوْلُهُ إنَّ صَاحِبَهُ أَوْلَى بِهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا غُرْمٍ يُرِيدُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا يَدْفَعُ فِيهِ قِيمَةً وَهُوَ مَا يُسَاوِي يَوْمَ أَخْذِهِ لَهُ وَلَا ثَمَنًا إنْ كَانَ وَقَعَ فِيهِ تَبَايُعٌ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يُغْنَمَ وَلَا يَغْرَمُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ بِسَبَبِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُ الْغَانِمِينَ عَلَيْهَا بِنَفْسِ الْغَنِيمَةِ وَإِنَّمَا اسْتَقَرَّ بِالْقِسْمَةِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِلْكُ صَاحِبِهِ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ حَالَ الْغَنِيمَةِ فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَأَمَّا مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا خِلَافَ فِي تَقَرُّرِ مِلْكِ الْغَانِمِينَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ ذَلِكَ أَخْذُهُ إلَّا بِالثَّمَنِ كَالشُّفْعَةِ.