(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْغُبَيْرَاءِ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهَا وَنَهَى عَنْهَا» قَالَ مَالِكٌ: فَسَأَلْت زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ مَا الْغُبَيْرَاءُ فَقَالَ: هِيَ السُّكْرَكَةُ) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ الْجَوَابُ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا سُئِلَ عَنْ جِنْسِ شَرَابٍ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ حَلَالٌ وَلَوْ سُئِلَ عَنْ أَبْعَاضِهِ وَمَقَادِيرِهِ لَقَالَ مَا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ فَلَمَّا كَانَ السُّؤَالُ عَنْ الْبِتْعِ يَقْتَضِي السُّؤَالَ عَنْ جَمِيعِهِ ثَبَتَ أَنَّهُ سُؤَالٌ عَنْ جِنْسِهِ وَجَوَابُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ» يَقْتَضِي الْجَوَابَ عَنْ أَجْنَاسِ الشَّرَابِ لِيَكُونَ مُقَابِلًا لِلسُّؤَالِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى الْجِنْسِ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ حَرَامٌ فَكَانَ ذَلِكَ جَوَابًا عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ وَلَوْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ أَبْعَاضِهِ وَإِنَّ بَعْضَ مَقَادِيرِهِ حَرَامٌ وَبَعْضَهَا حَلَالٌ لَقَالَ: كُلُّ مِقْدَارٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَقَالَ: كُلُّ مَا أَسْكَرَ مِنْهُ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَاسْتَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ لَفْظَ الشَّرَابِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ اسْمَ الشَّرَابِ وَاقِعٌ عَلَى الْجِنْسِ دُونَ بَعْضِ مَقَادِيرِهِ فَإِذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِالْجِنْسِ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ بِالْقَدْرِ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ دُونَ الْقَدْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْغُبَيْرَاءِ قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهَا وَنَهَى عَنْهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ حَالَهَا وَصِفَتَهَا وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَلَى جِنْسِهَا وَأَنَّهُ عَنْ ذَلِكَ أَجَابَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُعْتَادِ إذَا سَأَلُوا عَنْ الْمَاءِ أَحُلْوٌ هُوَ أَمْ مُرٌّ فَإِنَّمَا يَسْأَلُونَ عَنْ طَعْمِ جِنْسِهِ لَا عَنْ طَعْمِ قَطْرَةٍ مِنْهُ لَا يُوجَدُ لَهَا طَعْمٌ وَلَا عَنْ طَعْمِ الْكَثِيرِ مِنْهُ دُونَ الْقَلِيلِ وَكَذَلِكَ إذَا سَأَلُوا عَنْ شَرَابٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَنَافِعٌ هُوَ فَإِنَّمَا يَقَعُ السُّؤَالُ عَنْ جِنْسِهِ وَإِذَا أَجَابَ مَنْ سَأَلُوهُ بِأَنَّ كُلَّ شَرَابٍ سَخُنَ عِنْدَ تَنَاوُلِهِ يَجِبُ أَنْ يَجْتَنِبَهُ فَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَنْعُ جِنْسِهِ وَإِذَا أَرَادُوا السُّؤَالَ عَنْ مِقْدَارِ مَا تُخْشَى مَضَرَّتُهُ مِنْهُ قَالُوا: كَمْ الشَّرْبَةُ مِنْهُ؟ أَوْ كَمْ مِقْدَارُ مَا يُتَنَاوَلُ مِنْهُ؟ أَوْ كَمْ مِقْدَارُ مَا يُجْتَنَبُ مِنْهُ؟ وَإِنْ جَهِلَ السَّائِلُ فَسَأَلَ عَنْ جِنْسِهِ فَسَأَلَ عَنْ شَرَابِ الْوَرْدِ فِي جُمْلَتِهِ وَكَانَ قَلِيلُهُ مُخَالِفًا لِكَثِيرِهِ لَزِمَ الْمَسْئُولُ التَّفْصِيلَ وَأَنْ يَقُولَ أَمَّا يَسِيرُهُ فَلَا تَبْقَى مَضَرَّتُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُجْتَنَبَ كَثِيرُهُ وَمِقْدَارُهُ كَذَا وَإِنْ أَتَى بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ الْمِقْدَارَ وَيَحْتَمِلُ الْجِنْسَ كَانَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْجِنْسَ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِسُؤَالِ السَّائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ اللُّغَةَ تَمْنَعُ مِنْ هَذَا وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ قَالَ: وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَثِيرَ دُونَ الْقَلِيلِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُسَمَّى قَلِيلُ الْخَمْرِ خَمْرًا وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ يَسِيرَ الْخَمْرِ يُسَمَّى خَمْرًا وَإِنْ كَانَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْكَلَامُ فِي الْجِنْسِ دُونَ الْمِقْدَارِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ لَمَّا سَأَلَهُ مَالِكٌ عَنْ الْغُبَيْرَاءِ هِيَ السُّكْرَكَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّكْرَكَةَ كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ وَالْغُبَيْرَاءُ الَّتِي هِيَ السُّكْرَكَةُ شَرَابٌ.
(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» بَيَانٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْهَا مُعْرَضَةٌ لِشَارِبِهَا مُمْكِنَةٌ لَهُ مَقْبُولَةٌ مِنْهُ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لَهَا وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِهَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا خِيفَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُدْمِنِ عَلَى مَعَاصِيهِ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ التَّوْبَةِ وَيُحْرَمَهَا وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ الْحِرْمَانِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ لَهُ أَوْ الْعَفْوِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ خَمْرَ الْجَنَّةِ وَيَقْتَضِي أَنَّ فِي الْآخِرَةِ شَرَابًا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد: 15] فَيُحْرَمُهُ الْمُصِرُّ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ.