(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَابِسٍ نَابِتٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ عَظْمٍ لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا أَعْلَمُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ غَيْرَ الْأَسْنَانِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَصْلَ الْعَظْمِ الطَّهَارَةُ وَإِنَّمَا يَنْجُسُ مَا نَبَتَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ مِمَّا خَالَطَهُ مِنْ الدَّسَمِ الَّذِي يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ.
وَقَدْ قَالَ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ الرِّيشَ الَّذِي لَهُ سَنَخٌ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ وَالْقُرُونِ وَالْأَنْيَابِ وَالْأَظْلَافِ لَا خَيْرَ فِيهِ وَحُكْمُ هَذَا فِيمَا ذَكَرَ رَبِيعَةُ حُكْمُ نَابِ الْفِيلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْنُ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ قَوْلَهُ وَاخْتَارَ رَبِيعَةُ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا بَيْعُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يُرَخِّصُ فِي ذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فُسِخَ وَرُدَّ الثَّمَنُ إلَى الْمُبْتَاعِ وَذَلِكَ عِنْدَهُ فِي عِظَامِ الْفِيلِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ يَجِبُ اجْتِنَابُ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَعِظَامُ الْفِيلِ لِأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى اللَّحْمِ فَلَا يُمْتَشَطُ بِهَا وَلَا يُتَّجَرُ فِيهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ إذَا غُلِيَتْ جَازَ بَيْعُهَا كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا تُبَاعُ وَإِنْ غُلِيَتْ غَيْرَ أَنِّي لَا أَفْسَخُ بَيْعَهَا بَعْدَ أَنْ تُغْلَى إلَّا أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ وَأَمَّا مَا لَمْ يُدْبَغْ وَلَمْ يَغْلِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ فَاتَتْ أَوْ لَمْ تَفُتْ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهَا تَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَتَحِلُّهَا الرُّوحُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَرَبِيعَةَ فِي الْعَظْمِ الطَّاهِرِ لَا مَعْنَى لَهُ عِنْدِي إلَّا أَنْ يُرِيدَانِ طُولَ طَهُورِهِ وَيُبْسَ رُطُوبَتِهِ أَوْ عَدَمِهَا يَقُومُ مَقَامَ الدِّبَاغِ لِسَائِرِهَا وَهَذَا حُكْمُ أَنْيَابِ الْفِيلِ الَّذِي لَمْ يُذَكَّ فَأَمَّا إذَا ذُكِّيَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ وَعَظْمِهِ مِنْ غَيْرِ دِبَاغٍ كَجُلُودِ السِّبَاعِ وَعِظَامِهَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ مِنْ غَيْرِ دِبَاغٍ.
(فَرْعٌ) وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُطْبَخَ بِعِظَامِ الْمَيْتَةِ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ أَوْ يُسَخَّنُ بِهَا مَاءٌ لِوُضُوءٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: كَرِهَهُ فَإِنْ فَعَلَ جَازَ أَكْلُ الطَّعَامِ وَلَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ فِي الْقِدْرِ مِنْهَا شَيْءٌ فَيُنَجِّسَهُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
الشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ الرِّيشُ الَّذِي لَا سَنَخَ لَهُ مِثْلُ الزَّغَبِ وَشَبَهِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى شَعْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ الرُّوحَ لَا يَحِلُّهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل: 80] إلَى قَوْلِهِ {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] فَوَجَبَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ مِنْ الْآيَةِ عُمُومُهَا وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ شَعْرِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِهِ مِنْهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ جَزَّ الشَّعْرِ سَبَبٌ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْ الشَّعْرِ فَلَمْ يَنْجُسْ بِهِ كَجَزِّهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: تَجُوزُ الْخِرَازَةُ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَلَا رُوحَ فِيهِ فَيَمُوتُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ» أَمْرُهُ هَاهُنَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ وَالْمَنْعِ مِنْ إتْلَافِ مَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُتَمَلَّكَ عَلَى اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَتَرْكِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ جَوَازِ ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَا يُتَمَوَّلُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ فَمَنْعُ تَحْرِيمِ تَرْكِ الِانْتِفَاعِ بِهِ تَحْرِيمٌ لَهُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ مُحَرَّمٌ وَيَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّدْبِ وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا.
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ الْإِبَاحَةَ أَمْرٌ فِعْلِيٌّ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إبَاحَةَ الِاسْتِعْمَالِ لَهَا بَعْدَ الدِّبَاغِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ اقْتِضَاءٌ لَهُ وَمَنْعٌ مِنْ تَرْكِهِ عَلَى وَجْهِ مَا هُوَ أَمَرَ بِهِ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ لِلْفِعْلِ فَإِنَّهَا تَعْلِيقُ الْفِعْلِ بِمَشِيئَةِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ