. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ بِالْمَوْتِ فَوَجَبَ أَنْ تَتَأَبَّدَ نَجَاسَتُهُ أَصْلُ ذَلِكَ اللَّحْمُ وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ مَنْ أَثْبَتَ الطَّهَارَةَ الَّتِي تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ بِمَعْنَى التَّنْظِيفِ وَإِبَاحَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ حُكْمَ مُوجِبِ الطَّهَارَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّيَمُّمَ قَدْ سُمِّيَ فِي الشَّرْعِ طَهَارَةً وَسُمِّيَ التُّرَابُ طَهُورًا كَمَا يُسَمَّى الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْفَعُ حُكْمَ مُوجِبِهِ وَهُوَ الْحَدَثُ وَإِنَّمَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الدِّبَاغَ لَا يَدْفَعُ حُكْمَ نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ وَيُصْرَفُ فِي الْجَامِدَاتِ يُغَرْبَلُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِ وَلَا عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي جَامِدٍ وَلَا غَيْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى قَوْلِنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَفَلَا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» .

(فَرْعٌ) وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَائِعَاتِ فَإِنَّهُ كَرِهَ مَالِكٌ فِي خَاصَّتِهِ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ غَيْرُهُ وَمَنَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَائِعَاتِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهَا السِّقَاءُ لِلْمَاءِ وَقِرْبَةُ اللَّبَنِ وَزِقُّ الزَّيْتِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ مِنْ النَّجَاسَاتِ إلَّا بِمَا يُغَيِّرُهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْيَسِيرِ مِنْهُ لِلْخِلَافِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَكَانَ يُحْتَاطُ وَيَأْخُذُ بِالْأَفْضَلِ فِي خَاصَّتِهِ وَيُوَسِّعُ عَلَى النَّاسِ فِيهِ لِمَا قَامَ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَتِهِ وَأَمَّا سَائِرُ الْمَائِعَاتِ فَإِنَّهَا تُنَجَّسُ بِيَسِيرٍ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهَا فِيهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَجِّسُهَا وَيُحَرِّمُهَا وَلَا يَجُوزُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْعُهُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا كَانَ نَجِسًا لِعَيْنِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي اللَّبَنِ وَالزَّيْتِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمَائِعَاتِ لَا تُنَجَّسُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ إلَّا بِمَا غَيَّرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الطَّهَارَةِ.

(فَرْعٌ) وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ طَهَارَةً تَمْنَعُ نَجَاسَتَهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ وَعَلَيْهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ بِشَرْطِ أَنْ تَبِينَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَبِمَا يَطْهُرُ مِنْ الدِّبَاغِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ نَافِعٍ فِي الْمُزَنِيَّة: لَا يَكُونُ دِبَاغُهُ بِالْمِلْحِ فَقَطْ مِمَّا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الدِّبَاغُ التَّامُّ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِهِ لِلشُّرْبِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: مَا دُبِغَ بِهِ جِلْدُ الْمَيْتَةِ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ مِلْحٍ أَوْ قَرَظٍ فَهُوَ لَهُ طَهُورٌ وَالدَّلِيلُ لِقَوْلِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» فَعَلَّقَ ذَلِكَ بِالدِّبَاغِ وَالدِّبَاغُ مَعْلُومٌ وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَبْلُغُهُ حُكْمُ الدِّبَاغِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْأَسْقِيَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّمَا هُوَ تَجْفِيفٌ لِرُطُوبَاتِهِ وَهَذَا يَحْصُلُ بِتَجْفِيفِهِ فِي الشَّمْسِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ جِلْدِ مَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ بِالذَّكَاةِ وَالْحَيَوَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: مُبَاحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَمُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَالْخِنْزِيرِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُنْتَفَعُ بِجِلْدِهِ وَإِنْ ذُبِحَ وَدُبِغَ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِذَكَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَالْخِنْزِيرُ لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ وَهِيَ أَقْوَى فِي التَّطْهِيرِ مِنْ الدِّبَاغِ لِأَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ وَالدِّبَاغُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي الْجِلْدِ خَاصَّةً عَلَى الِاخْتِلَافِ فَإِذَا كَانَتْ الذَّكَاةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي جِلْدِ الْخِنْزِيرِ فَبِأَنْ لَا يُؤَثِّرَ الدِّبَاغُ أَوْلَى وَأَحْرَى وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِهَا وَلَا تُبَاعَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015