. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ جَارِحٍ مِنْ الْكِلَابِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ مَعْنَى مُكَلِّبِينَ مُسَلِّطِينَ وَأَضَافَهُ إلَى الصَّائِدِ لِيُعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ التَّعْلِيمُ وَالتَّسْلِيطُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ: التَّكْلِيبُ تَعْلِيمُ الْكِلَابِ الصَّيْدَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مِنْ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ فَجَازَ الِاصْطِيَادُ بِهِ كَالْكَلْبِ.
ِ أَمَّا صِفَةُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ فَهُوَ أَنْ يَفْهَمَ الزَّجْرَ وَالْأَشْلَاءَ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي تَعَلُّمِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ شُيُوخُنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] قَالُوا: فَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْأَكْلِ فَهُوَ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْنَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ قَتْلَ الْجَارِحِ ذَكَاةٌ يَفْسُدُ الصَّيْدُ بِهَا فَلَا يَفْسُدُ بِأَكْلِهِ مِنْهُ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا ذُبِحَ وَتَعَلَّقَ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَإِنْ قَتَلَ فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ فَالْأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ غَيْرَ أَنَّهُ عَامٌّ فَتَحْمِلُهُ عَلَى الَّذِي أُدْرِكَ مَيِّتًا مِنْ الْجَرْيِ أَوْ الصَّدْمِ فَأَكَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَارَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْإِرْسَالُ وَلَا الْإِمْسَاكُ عَلَيْنَا يُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَمْسَكَ عَلَيْك فَكُلْ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ» وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ أَخْذُهُ الْمُعْتَادِ ذَكَاةً وَمَعْنَى الذَّكَاةِ أَنْ تُبِيحَ أَكْلَ الْمُذَكَّى فَلَا يُفْسِدُهُ مَا وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلٍ وَغَيْرِهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ الصَّائِدُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْأَكْلِ دُونَ إرْسَالِ الصَّائِدِ لَهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ مَقْطُوعًا مِمَّا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ وَوَجْهُ تَأْوِيلِهِ لِإِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ مُخَالَفَتَهُ ابْنَ عُمَرَ فَبَيَّنَّا أَنَّ مَالِكًا مُخَالِفُهُ وَإِنَّمَا تَأَوَّلَهُ عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ وَقِيَاسٍ جَلِيٍّ.
ِ أَمَّا مَعْنَى الْإِمْسَاكِ عَلَيْنَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يُمْسِكَ بِإِرْسَالِنَا وَهُوَ عَلَى أُصُولِنَا بَيِّنٌ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ مَيْزُ هَذَا وَإِنَّمَا يَتَصَيَّدُ بِالتَّعْلِيمِ وَإِذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ عَلَيْنَا بِأَنْ يُمْسِكَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ الْحُكْمُ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَتَمَيَّزَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ مَنْ لَهُ نِيَّةٌ وَهُوَ مُرْسِلُهُ فَإِذَا أَرْسَلَهُ فَقَدْ أَمْسَكَ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يُرْسِلْهُ فَلَمْ يُمْسِكْ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] مِمَّا صِدْنَ لَكُمْ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَلْبَ إذَا لَمْ يُرْسِلْهُ الصَّائِدُ وَصَادَ بِإِرْسَالِهِ فَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ» وَفِيهِ «فَإِنْ وَجَدْت مَعَ كِلَابِك أَوْ كَلْبِك كَلْبًا غَيْرَهُ فَخَشِيت أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا ذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِك وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ» .
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا انْشَلَى الْكَلْبُ بِنَفْسِهِ عَلَى الصَّيْدِ ثُمَّ أَعَانَهُ الصَّائِدُ بِالْإِشْلَاءِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِأَوَّلِ انْبِعَاثِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَانْبَعَثَ بِذَلِكَ فَأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ لَمَا مَنَعَ ذَلِكَ مِنْ أَكْلِهِ وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ ثُمَّ أَغْرَاهُ مُسْلِمٌ مَا أُكِلَ صَيْدُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ بِإِشْلَائِهِ تَمَادَى عَلَى الصَّيْدِ فَوَجَبَ أَنْ يُطْرَحَ مَا كَانَ مِنْ جَرْيِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ قَاصِدٍ أَرْسَلَهُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَصَادَ غَيْرَهُ فَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ