(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيَّ أَمَرَ غُلَامًا لَهُ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهَا قَالَ لَهُ: سَمِّ اللَّهَ فَقَالَ الْغُلَامُ: قَدْ سَمَّيْت فَقَالَ لَهُ: سَمِّ اللَّهَ وَيْحَك فَقَالَ لَهُ: قَدْ سَمَّيْت اللَّهَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ: وَاَللَّهُ لَا أَطْعَمُهَا أَبَدًا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ تَرَكَهَا عَامِدًا كُرِهَ أَكْلُ تِلْكَ الذَّبِيحَةِ وَلَا تَحْرُمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ تَرَكَهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا لَمْ تُؤْكَلْ وَدَلِيلُنَا عَلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ وَأَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الذَّبِيحَةِ مَعَ الذِّكْرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَعْنًى وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ فِسْقٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْفُسُوقِ مِنْ قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ وَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يُسْتَعْمَلُ مِنْ التَّسْمِيَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ تَسْمِيَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ مَا مَضَى عَلَيْهِ النَّاسُ أَفْضَلُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَإِنْ زَادَ ذَابِحُ أُضْحِيَّتِهِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَكُرِهَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك وَعَابَهُ وَشَدَّدَ الْكَرَاهِيَةَ فِيهِ وَقَالَ: لَا يُقَالُ ذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَمُّوا اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ كُلُوا» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَمْرَ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ عَلَى ذَبْحٍ تَوَلَّاهُ غَيْرُهُمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِمْ فَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ سَمُّوا اللَّهَ أَنْتُمْ الْآنَ فَتَسْتَبِيحُونَ بِهِ أَكْلَ مَا لَمْ تَعْرِفُوا أَذُكِرَ اسْمِي عَلَيْهِ أَمْ لَا إذَا كَانَ الذَّابِحُ مِمَّنْ تَصِحُّ ذَبِيحَتُهُ إنْ سَمَّى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ مَالِكٍ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الذَّابِحِينَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ مَا يَصِحُّ أَنْ لَا يَعْلَمُوا مِثْلَ هَذَا وَلَمْ يَبْلُغْ بَعْدُ إلَيْهِمْ شَرْعُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِمَّنْ يَكْثُرُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ لِمِثْلِ هَذَا أَوْ الْغَفْلَةُ عَنْهُ لَمَّا لَمْ تَجْرِ لَهُمْ بِهِ عَادَةٌ وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ حَتَّى لَا يَكَادُ ذَابِحٌ يَتْرُكُ ذَلِكَ وَلَا نَجِدُ أَحَدًا إلَّا يَعْلَمْ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَ الذَّبْحِ.
(ش) : قَوْلُهُ لِلْغُلَامِ سَمِّ اللَّهَ إذَا كَانَ لَمَّا خَافَ أَنْ يَغْفُلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَنْسَاهُ وَلَمْ يَقْنَعْ بِإِخْبَارِ الْغُلَامِ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ سَمَّى اللَّهَ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا لَمْ يُسْمِعْهُ الْغُلَامُ التَّسْمِيَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى إخْبَارِهِ بِذَلِكَ وَفَاتَ مَوْضِعُ التَّسْمِيَةِ بِإِكْمَالِ الذَّبْحِ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَأْكُلَ الذَّبِيحَةَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: لَا أَرَى ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ إذَا أُخْبِرَ الذَّابِحُ أَنَّهُ قَدْ سَمَّى وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَهُ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِعْلُ ابْنِ عَيَّاشٍ عَلَى وَجْهِ التَّنَاهِي فِي الْوَرَعِ وَالْأَخْذِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِالْأَحْوَطِ وَلَعَلَّهُ قَدْ أَبَاحَ لِغَيْرِهِ أَكْلَهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ أَعْطَاهَا مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَأَمَّا أَنْ يَحْرُمَ أَكْلُهَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ إطْرَاحُهَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضَاعَةً لِلْمَالِ وَإِفْسَادًا لِلطَّعَامِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي كِتَابِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَحَسِبْت أَنَّهُ اتَّهَمَ الْغُلَامَ حِينَ لَمْ يُسْمِعْهُ التَّسْمِيَةَ قَالَ مَالِكٌ: فَمَنْ وَرَعَ كَمَا وَرَعَ ابْنُ عَيَّاشٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَإِنَّمَا الرُّخْصَةُ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ مِثْلُ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ: إنَّ نَاسًا يَأْتُونَنَا بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي هَلْ سَمَّوْا اللَّهَ عَلَيْهَا أَمْ لَا» وَهَذَا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ خِلَافٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوْ لَا لِأَنَّ مَنْ اتَّهَمَ غَيْرَهُ بِتَعَمُّدِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ وَكَانَ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَرْضَى بِذَلِكَ وَيَقْصِدُهُ مَعَ الْأَذْكَارِ لَهُ بِهِ فَإِنَّ الْأَحْوَطَ إطْرَاحُ ذَبِيحَتِهِ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ أَكْلِهَا وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.