(ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ إلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا فَقَالَ: اُنْظُرُوا أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ وَأَنَّ عِلَّةَ الْحَاجَةِ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ وَأَنَّ الْحَاجَةَ لَوْ نَزَلَتْ الْيَوْمَ لِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ لَلَزِمَ النَّاسَ مُوَاسَاتُهُمْ إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا لَك أَنَّهُ حُكْمٌ مَنْسُوخٌ وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الدَّافَّةِ خَاصَّةً وَمَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاكِ بِالْمَجَاعَةِ لَمَا اخْتَصَّ ذَلِكَ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيّ بَلْ كَانَ يَلْزَمُ النَّاسَ مُوَاسَاتُهُمْ بِهَا وَبِغَيْرِهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «دَفَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ» رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ عَنْ تَفْسِيرِ ذَلِكَ فَقَالَ: الدَّافَّةُ الْقَوْمُ الْقَادِمُونَ عَلَيْهِمْ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدَّخِرُوا لُحُومَ الْأَضَاحِيّ فَيَمْنَعُوهَا الَّذِينَ قَدِمُوا فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَّخِرُوا وَسَعَوْا بِذَلِكَ عَلَى إخْوَانِهِمْ الْقَادِمِينَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ: وَالدَّافَّةُ الْجَمَاعَةُ تَسِيرُ سَيْرًا لَيْسَ بِالشَّدِيدِ يُقَالُ هُمْ يَدِفُّونَ دَفِيفًا.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «ادَّخِرُوا لِثَلَاثٍ وَتَصَدَّقُوا بِمَا يَقْضِي» أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُ يَوْمَ الْأَضْحَى مَا يَكْفِي لِثَلَاثٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الِانْتِفَاعُ لِلدَّافَّةِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى وَفِيمَا بَعْدَهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنْ اتِّخَاذِ الْأَسْقِيَةِ مِنْ جُلُودِهَا لِأَجْلِ الْمَنْعِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا تَنَاوَلَ أَكْلَ اللَّحْمِ.
وَقَدْ رُوِيَ لَفْظٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ مَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلَا يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ شَيْءٌ مِنْهُ» .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِأَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا» لَفْظَةُ كُلُوا قَدْ رُوِيَ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَاهَا الْإِبَاحَةُ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ عَلَى الرَّجُلِ إنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ بَدَنَتِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ تَصَدَّقَ بِلَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ كُلِّهِ فَهُوَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ.
وَرُوِيَ مَا يَدُلُّ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لِلنَّدَبِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ لَوْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِلَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ كُلِّهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ مُخْطِئًا وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ يُخْرَجُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْأَكْلِ مِنْهُ، أَصْلُ ذَلِكَ مَا نَذَرَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ حَيَوَانٌ يُذْبَحُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ الْمَشْرُوعَةِ فَكَانَ الْأَكْلُ مِنْهُ مَشْرُوعًا مَنْدُوبًا إلَيْهِ كَالْهَدْيِ.
وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَكْلُ مِنْهَا وَاجِبٌ وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ بَعِيدٌ.
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا قَوْلُهُ «فَتَصَدَّقُوا» فَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ الْيَوْمَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ وَتَصَدَّقُوا وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَوْ النَّدْبَ فَإِذَا دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ حُمِلَ عَلَى النَّدْبِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ بِأُضْحِيَّتِهِ كُلِّهَا لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا لَكَانَ مُخْطِئًا كَمَا لَوْ أَكَلَهَا وَلَمْ يَطْعَمْ مِنْهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِبَعْضِ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَا جَازَ لَهُ.
1 -
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِطْعَامَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ مَشْرُوعٌ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَمْ يَجِدْ مَا يَطْعَمُ مِنْهَا وَلَا مَا يَأْكُلُ وَمَا فَعَلَ مِمَّا قَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ يُجْزِئُ زَادَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْكُلَ الْأَقَلَّ وَيَقْسِمَ مَا بَقِيَ وَلَوْ قِيلَ: يَأْكُلُ الثُّلُثَ وَيَقْسِمُ الثُّلُثَيْنِ كَانَ حَسَنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.