مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الضَّحَايَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ضَحَّى مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ قَالَ نَافِعٌ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا فَحِيَلًا أَقْرَنَ ثُمَّ أَذْبَحُهُ يَوْمَ الْأَضْحَى فِي مُصَلَّى النَّاسِ قَالَ نَافِعٌ: فَفَعَلْت ثُمَّ حُمِلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ حِينَ ذُبِحَ الْكَبْشُ وَكَانَ مَرِيضًا لَمْ يَشْهَدْ الْعِيدَ مَعَ النَّاسِ قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَيْسَ حِلَاقُ الرَّأْسِ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ ضَحَّى وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الضَّحَايَا]
(ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ ضَحَّى مَرَّةً بِالْمَدِينَةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَقَعَ مِنْهُ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا حَكَاهُ لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ مِنْ الذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ يُضَحِّي بِالْمَدِينَةِ وَفِي أَسْفَارِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ اشْتَرَى فِي سُفْرَةٍ شَاةً مِنْ رَاعٍ وَأَمَرَهُ بِذَبْحِهَا عَنْهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَازِمَةٌ لِلْمُسَافِرِ كَلُزُومِهَا لِلْمُقِيمِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا شِرَاءَ الضَّحَايَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّى فِيهِ لِأَنَّهَا قُرْبَانٌ فَمَنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ أَسْوَاقٌ لَهَا فَلَا يَشْتَرِي مِنْهَا مَا يُجْلَبُ إلَى الْأَسْوَاقِ حَتَّى يَرِدَ السُّوقَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ التَّلَقِّي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيَجِبُ أَنْ يُنَزَّهَ عَنْهُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ ضَحَّى بِمَا اشْتَرَى فِي التَّلَقِّي قَالَ عِيسَى: عَلَيْهِ الْبَدَلُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَا يُبَاعُ لَحْمُ الْأُولَى وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أُضْحِيَّتَهُ قَدْ وَجَبَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَمْ تُجْزِهِ أَوْ لَمْ تَتِمَّ فَضِيلَتُهَا لِفَسَادِ مِلْكِهِ لَهَا فَكَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهَا لِيُدْرِكَ الْأُضْحِيَّةَ أَوْ لِيُدْرِكَ تَمَامَ فَضِيلَتِهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُ لَحْمِهَا لِأَنَّهُ قَدْ قَصَدَ بِذَبْحِهَا الْقُرْبَةَ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ كَبْشًا فَحِيَلًا أَقْرَنَ فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَكُونُ مِنْ غَيْرِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الضَّأْنَ أَفْضَلُ أَجْنَاسِ الضَّحَايَا وَالثَّالِثَةُ أَنَّ ذُكُورَهَا أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا وَالرَّابِعَةُ أَنَّ الْفَحْلَ مِنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الْخَصِيِّ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ الْأَقْرَنَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَجَمِّ فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَلَوْ ضَرَبَتْ فُحُولُ الْبَقَرِ الْإِنْسِيَّةِ إنَاثَ الْبَقَرِ الْوَحْشِيَّةِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُضَحِّي بِهَا وَاخْتَلَفُوا إذَا ضَرَبَتْ فُحُولُ الْوَحْشِيَّةِ إنَاثَ الْإِنْسِيَّةِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ إجَازَةُ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ نَتَجَ لِأُمِّهِ فِي الْجِنْسِ وَالْحُكْمِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِي وَلَدِ آدَمَ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَنْعِ مِنْ أَصْحَابِنَا إذَا كَانَتْ الْفُحُولُ وَحْشِيَّةً لِيَغْلِبَ الْحَظْرُ عَلَى الْإِبَاحَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَنَّ أَفْضَلَ الْأَضَاحِيّ الضَّأْنُ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الضَّأْنَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَعْزِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ فَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْإِبِلُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ أَنَّ الْبَقَرَ أَفْضَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: الْإِبِلُ أَفْضَلُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْغَنَمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ تَفْضِيلِ الضَّأْنِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ» وَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يُوَاظَبُ عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُوَاظِبُ فِي خَاصَّتِهِ إلَّا عَلَى الْأَفْضَلِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُضَحَّى بِجَذَعٍ إلَّا مِنْ الضَّأْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ أَنَّ ذَكَرَ كُلِّ جِنْسٍ أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهِ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ طَيِّبُ اللَّحْمِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَحْمَ الْكَبْشِ أَفْضَلُ مِنْ لَحْمِ النَّعْجَةِ فَكَانَ إخْرَاجُهُ أَفْضَلَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي ذُكُورِ الْجِنْسِ وَإِنَاثِهِ وَأَمَّا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فَإِنَّ إنَاثَ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ ذُكُورِ الْمَعْزِ وَإِنَاثَ