صَلَاتَهُ قَالَ أَحْسَنْتُمْ» ) .
(ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إخْبَارٌ بِأَنَّ أَحْكَامَ هَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّفَرِ وَقَوْلُهُ فَذَهَبْت مَعَهُ بِمَاءٍ يُرِيدُ أَنَّهُ ذَهَبَ مَعَهُ إلَى بَعْضِ طَرِيقِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ أَوْ يَتَوَارَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَكَبْت عَلَيْهِ الْمَاءَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَخْبَرَ الْمُغِيرَةُ عَنْ الْمَفْرُوضِ فِي الْوُضُوءِ وَتَرَكَ ذِكْرِ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسْنُونِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَصْدُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْ جُبَّتِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضِيقِ الْجُبَّةِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَهُمَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَأَمَّا الْكَفَّانِ فَإِنَّهُمَا كَانَا خَارِجَيْنِ وَبِهِمَا غَسَلَ وَجْهَهُ وَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ إزَارٌ يَسْتُرُهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَدَلٌ وَهُوَ مِمَّا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْجُمْلَةِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَا ظَاهِرُهُ الْمَنْعُ مِنْهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إيثَارُ الْغَسْلِ عَلَيْهِ وَحَسْبُك بِمَا أَدْخَلَ فِي مُوَطَّئِهِ وَهُوَ أَصَحُّ مَا نُقِلَ عَنْهُ.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ وَلَا الْمُقِيمُ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَوَجْهُهَا أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي يَبْعُدُ لِأَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا أَمْسَحُ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ آخَرُ مَا فَارَقْته عَلَى الْمَسْحِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَكَأَنَّهُ وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ وَأَصْحَابُهُ مُطَّرِفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَنَعَهُ أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لَمَّا لَمْ يَرَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَمْسَحُونَ ثُمَّ رَأَى الْآثَارَ فَأَبَاحَ الْمَسْحَ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا فِي السَّفَرِ فَأَمَّا الْمَسْحُ فِي الْحَضَرِ فَعَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: الْمَنْعُ.
وَالثَّانِيَةُ: الْإِبَاحَةُ.
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ» .
1 -
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ.
وَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ يَمْسَحُ الْمُحْرِمُ عَلَى خُفٍّ قَطَعَهُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَيُمِرُّ الْمَاءَ عَلَى مَا بَدَا مِنْ كَعْبَيْهِ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْأَوْزَاعِيِّ.
وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمِ كَثِيرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ لُبْسِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْمَسْحُ بِمَا أُبِيحَ لَهُ لُبْسُهُ وَحُكْمُ النِّسَاءِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ حُكْمُ الرِّجَالِ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ حَالَ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْنُوعَةٍ مِنْ لُبْسِهِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ يُرِيدُ أَنَّهُ جَاءَ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ فَأَلْفَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَؤُمُّهُمْ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا وَإِنَّ لَهَا فَضِيلَةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَلِذَلِكَ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إذْ تَغَيَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَتِهِ مَعَ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُرْبِ مَوْضِعِ تَغَيُّبِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ خَوْفَ فَوَاتِ الْوَقْتِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلَا يُظَنُّ بِهِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ