جَامِعُ الْحَجِّ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنَّاسِ بِمِنًى وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْحَرْ وَلَا حَرَجَ ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُشْعِرْ فَنَحَرْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْمِ وَلَا حَرَجَ قَالَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَمْرَضُ فِيهِمَا نَصَّ عَلَى الْمَرَضِ لِيَسْتَوْعِبَ أَقْسَامَ التَّارِكِينَ بِذِكْرِ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَالْعَمْدُ لِلْعُذْرِ الْغَالِبِ فَإِنَّهُ إذَا قَدِمَ بَلَدَهُ بِهَدْيٍ إنْ وَجَدَ هَدْيًا وَإِنْ عَدِمَهُ صَامَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْأَدَاءِ فَإِذَا كَانَ حَالُ الْأَدَاءِ وَاجِدًا لِلْهَدْيِ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ حِينَ الْوُجُوبِ مُعْسِرًا وَإِنْ كَانَ حِينَ الْأَدَاءِ عَادِمًا لِلْهَدْيِ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ صِيَامَ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْهَدْيَ إنَّمَا تَوَجَّهَ الْأَمْرُ بِهِ إلَيْهِ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً بَعْدَ الرُّجُوعِ فَمَنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى يَقْدُمَ بَلَدَهُ عَادِمًا لِلْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْفَصْلُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ وَالتَّقْدِيمُ لَهَا عَلَيْهَا فِي الرُّتْبَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُعَذَّلِ إنَّ اللَّيْلَ فَاصِلٌ فَلَمْ تَبْقَ إلَّا الرُّتْبَةُ فِي النِّيَّةِ وَتَقَدَّمَ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ قَدْ سَقَطَ وُجُوبُهُ وَقَوْلُهُ هَاهُنَا وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَبَقِيَ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ فَإِنَّ كُلَّ مَا يُرَاعَى فِيهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ وَالتَّرْتِيبِ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ صِيَامُهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَدَمُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَمَا لَا يُرَاعَى فِيهِ الْفَصْلُ أَوْ التَّرْتِيبُ فِي الْوَقْتِ إنَّمَا يَجِبُ صِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يُصَامُ فِي التَّشْرِيقِ وَالْعَاشِرُ عَنْ الْمَشْيِ وَصِيَامُ فِدْيَةِ الْأَذَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
[جَامِعُ الْحَجِّ]
(ش) : قَوْلُهُ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنَّاسِ بِمِنًى يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَقَفَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ وَيُجِيبَهُمْ عَنْ مَسَائِلِهِمْ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ وَقْتُ سُؤَالٍ يَسْأَلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ السَّائِلُ عَمَّا فَاتَهُ مِنْ حَجِّهِ وَعَمَّا أَدْرَكَ وَعَمَّا قَدَّمَ وَأَخَّرَ وَيَسْأَلُهُ قَوْمٌ عَنْ الْمُسْتَقْبِلِ بِمِنًى وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَسِيتُ فَقَدَّمْتُ الْحِلَاقَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدَّثَهُ «أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي كُنْت أَحْسَبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا» .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «انْحَرْ وَلَا حَرَجَ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا إثْمَ عَلَيْك لِأَنَّ الْحَرَجَ الْإِثْمُ وَمُعْظَمُ سُؤَالِ السَّائِلِ إنَّمَا كَانَ عَنْ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَثِمَ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُخَالَفَةَ وَإِنَّمَا أَتَى ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَلَا قَصْدٍ مَعَ خِفَّةِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا هُوَ تَرْتِيبٌ مُسْتَحَبٌّ لَا تَبْطُلُ الْعِبَادَةُ بِمُخَالِفَتِهِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا نَقْصًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ لَا يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا سُئِلَ عَمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَهْلًا وَقَدْ بَيَّنَ التَّرْتِيبَ فِي الْحَجِّ فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ