(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى عَلَى الَّذِي يَرْمِي الْجِمَارَ أَوْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَضِّئٍ إعَادَةً وَلَكِنْ لَا يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ) .
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا تُرْمَى الْجِمَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِحَالَةٍ لَا يَشُكُّ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ فِي أَنَّهُ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ تَيَقَّنَ الْعُذْرَ لِأَنَّهُ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ لَزِمَهُ الْهَدْيُ سَوَاءٌ تَيَقَّنَ عُذْرَهُ أَوْ لَمْ يَتَيَقَّنْ كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَهَذَا فِيمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْأَرْكَانِ الَّتِي لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إلَّا بِهَا وَأَمَّا مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ الْأَرْكَانِ كَطَوَافِ الْوُرُودِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ لِلْعُذْرِ وَلَا يَجِبُ بِذَلِكَ دَمٌ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الرَّمْيَ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ رَمْيُ غَيْرِهِ عَنْهُ وَفِي الْبَدَلِ نَقْصٌ عَنْ الْمُبْدَلِ مِنْهُ يُجْبَرُ بِالدَّمِ فَإِذَا أَدْرَكَ الرَّمْيَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَبَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ جَبَرَ نَقْصَ الرَّمْيِ فَسَقَطَ عَنْهُ.
(مَسْأَلَةٌ)
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَرْمِي عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَرِيضِ إلَّا مَنْ قَدْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَمَى أَوَّلًا عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ أَوَّلًا بِالرَّمْيِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْجِمَارِ الثَّلَاثِ ثُمَّ يَبْدَأُ بِالرَّمْيِ عَنْ الْمَرِيضِ مِنْ أَوَّلِ الْجِمَارِ وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّوَالِيَ مَشْرُوعٌ فِي الرَّمْيِ فَلَزِمَهُ أَنْ يُوَالِيَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يُوَالِيَ عَنْ غَيْرِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَمَنْ رَمَى عَنْ غَيْرِهِ فَهَلْ يَقِفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ؟ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُهُ فَقَالَ: لَا يَقِفُ وَقَالَ: يَقِفُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ لِلدُّعَاءِ وَلَا يُسْتَنَابُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْوُقُوفَ تَبَعٌ لِلرَّمْيِ فَجَازَ أَنْ يُسْتَنَابَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُسْتَنَبْ فِي مِثْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ تَبَعًا كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ سَعَى أَوْ رَمَى الْجِمَارَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ قُرَبٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَيْتِ فَلَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَإِنَّمَا تَكُونُ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْقُرَبِ الَّتِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهَا نَفِسَتْ: افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» فَأَبَاحَ لَهَا فِعْلَ كُلِّ قُرْبَةٍ مِنْ الْحَجِّ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْبَيْتِ وَفِي ذَلِكَ السَّعْيُ وَالرَّمْيُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ لِفِعْلِ هَذِهِ الْقُرَبِ كُلِّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ قُرَبَ الْحَجِّ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِهَا إمَّا وُجُوبًا وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا وَلِذَلِكَ شُرِعَ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبًا بَلْ يَصِحُّ فِعْلُ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ غَيْرِ طَهَارَةٍ فَمَا كَانَ مِنْ الْأَرْكَانِ فَالْغُسْلُ لَهُ مَشْرُوعٌ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَرْكَانِ فَمِنْ حُكْمِهَا أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهَا عَلَى طَهَارَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الطَّهَارَةُ لَهَا.
(ش) : قَوْلُهُ لَا تُرْمَى الْجِمَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يُرِيدُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ.
وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ عَنْهُ: فَإِنْ رَمَاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَلْيُعِدْ الرَّمْيَ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَرْمِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «رَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدَهُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» .
(مَسْأَلَةٌ)
وَمَنْ رَمَى الْجِمَارَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَإِنَّمَا مَحِلُّ الرَّمْيِ لِلْجِمَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ وَمِنْ جِهَةِ الرُّتْبَةِ أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْوَقْتِ فَإِنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ بِأَثَرِ الزَّوَالِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ مَشْرُوعٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَشُرِعَ التَّأْخِيرُ لَهَا وَلِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ مَشْرُوعٌ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ تُشْرَعْ فِيهِ جَمَاعَةٌ فَكَانَتْ الْمُبَادَرَةُ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَأْخِيرِهِ وَتَقْدِيمُ الْعِبَادَةِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا مَشْرُوعٌ