ص (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ أَنْ لَا يُخَالِفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَأَنَا مَعَهُ فَصَاحَ بِهِ عِنْدَ سُرَادِقِهِ أَيْنَ هَذَا فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ مَالَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ الرَّوَاحُ إنْ كُنْت تُرِيدُ السُّنَّةَ فَقَالَ أَهَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَيَّ مَاءً ثُمَّ أَخْرُجُ فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْت لَهُ: إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ فَجَعَلَ الْحَجَّاجُ يَنْظُرُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَيْ مَا يَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: صَدَقَ سَالِمٌ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ هُوَ وَأُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْبَيْتَ» سُنَّةٌ فِي دُخُولِ الْبَيْتِ وَإِغْلَاقُهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ الِانْفِرَادُ فِيهِ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَلِمَنْ حَضَرَتْهُ نِيَّةٌ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَقَفَلَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الطَّوَافُ بِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي خَارِجِهِ وَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الصَّلَاةُ فِيهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْفَرِدَ بِذَلِكَ فِيهَا فِي وَقْتِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُ «عَبْدِ اللَّهِ فَسَأَلْت بِلَالًا حِينَ خَرَجَ» دَلِيلٌ عَلَى حِرْصِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَاقْتِفَائِهِ لِآثَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحَفُّظِهِ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْهَا وَسُؤَالِهِ عَمَّا غَابَ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ بِلَالٌ: «جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى» وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ اقْتَضَى الصَّلَاةَ الْمَعْهُودَةَ دُونَ الدُّعَاءِ وَإِنْ كَانَ اسْمُ الصَّلَاةِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ جَرَى فِي اسْتِعْمَالِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَوَجَبَ حَمْلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ هَكَذَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ نَافِعٍ وَرِوَايَةِ مُجَاهِدٍ فَقَالَ: «أَتَى ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْكَعْبَةَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْت وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ خَرَجَ وَأَجِدُ بِلَالًا قَائِمًا بَيْنَ النَّاسِ فَسَأَلْته فَقُلْت صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ قَالَ نَعَمْ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِك إذَا دَخَلْت ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْقِبْلَةِ رَكْعَتَيْنِ» .

ش قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ لِلْحَجَّاجِ لَا تُخَالِفْ ابْنَ عُمَرَ فِي أَمْرِ الْحَجِّ إقْرَارٌ بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ وَأَنَّهُ الْقُدْوَةُ فِي زَمَانِهِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ أَهْلُ وَقْتِهِ وَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ إلَى الْحَجَّاجِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ وَمَعُونَةً عَلَيْهِ وَحِرْصًا عَلَى إثْبَاتِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَنَشْرِهِ وَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ وَتَوَجُّهُهُ إلَيْهِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ هُوَ السُّنَّةُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ ذَلِكَ الْيَوْمَ.

وَقَدْ ذَكَرَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ «حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقُصْوَى فَرَحَلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَالسُّنَّةُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِيَتَعَجَّلَ الْوُقُوفَ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَبْدَأُ بِالْخُطْبَةِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ بِيَسِيرِ قَدْرَ مَا يَفْرُغُ مِنْ الْخُطْبَةِ وَقَدْ زَالَتْ الشَّمْسُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَفِي قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ هَذَا نَظَرٌ.

وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِهِ: إذَا خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ وَلْيُعِدْ بِالْخُطْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ يُرِيدُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَتُجْزِئُهُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ عَادَ فِيهِ إلَى مَا أَنْكَرَهُ عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ إنَّمَا يُرِيدُ أَشْهَبُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الْخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا وَهِيَ نَافِلَةٌ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيهَا وَاَلَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَشْهَبَ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يَرَى أَنْ يُؤْتَى بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَشْهَبَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015