(ص) : (قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِلرَّاكِبِ أَيَنْزِلُ أَمْ يَقِفُ رَاكِبًا؟ فَقَالَ: بَلْ يَقِفُ رَاكِبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ عِلَّةٌ فَاَللَّهُ أَعْذَرُ بِالْعُذْرِ) .
وُقُوفُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِعَرَفَةَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ. مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» .
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَالْفَضْلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ طَاهِرًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ مِمَّا شُرِّعَتْ فِيهِ الطَّهَارَةُ اسْتِحْبَابًا.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّطْهِيرَ لِلسَّعْيِ وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ وَلِوُقُوفِ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْغُسْلُ إنَّمَا هُوَ غُسْلٌ لِلتَّنْظِيفِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَغُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ وَلَكِنَّهُ يَقْوَى أَنَّ الطَّهَارَةَ مَشْرُوعَةٌ لِهَذِهِ الْمَنَاسِكِ مَعَ نَظَافَةِ الْأَعْضَاءِ فَلِهَذَا قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ أَيْ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْوُقُوفَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ.
(ش) : قَوْلُهُ بَلْ يَقِفُ رَاكِبًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ لِلْوُقُوفِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا «رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى بَعِيرِهِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: طَلَبُ الْقُوَّةِ وَالِاسْتِظْهَارِ عَلَى الدُّعَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِنْفَاقَ مَشْرُوعٌ فِي الْحَجِّ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ وَقَطْعُ السَّفَرِ كَالْجِهَادِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ عِلَّةٌ فَاَللَّهُ أَعْذَرُ بِالْعُذْرِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الرُّكُوبَ أَفْضَلُ لِصَاحِبِ الرَّاحِلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْوُقُوفِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ عَاقَهُ عُذْرٌ مَنَعَهُ كَانَ الْعُذْرُ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي تَرْكِهِ الْمُسْتَحَبِّ وَاقْتِصَارِهِ عَلَى الْأَدْوَنِ.
(مَسْأَلَةٌ)
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ وَقَفَ غَيْرَ رَاكِبٍ فَلْيَكُنْ وُقُوفُهُ لِلدُّعَاءِ قَائِمًا فَإِذَا عَيِيَ فَلْيَجْلِسْ قَالَهُ مَالِكٌ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْمَاشِي يَقِفُ قَائِمًا أَوْ جَالِسًا كُلٌّ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ وَالرَّغْبَةِ وَالْخُضُوعِ وَأَمَّا الرَّاكِبُ فَتِلْكَ الْحَالُ أَبْلَغُ حَالَاتِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِذَا ذَهَبْت دَعَوْت فَاسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ بِالْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّعْظِيمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ لِنَفْسِك وَلِوَالِدَيْك وَالِاسْتِغْفَارِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَرَاهُ ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» .
[وُقُوفُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِعَرَفَةَ]
(ش) : قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَقْتَضِي مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا يُدْرِكُ بِهِ الْوُقُوفَ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ الْوُقُوفُ قَبْلَهُ وَيُجْتَزَأُ بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ تَبْيِينَ زَمَانِ الْوُقُوفِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَقِفْ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ بِعَرَفَةَ فَلَا وُقُوفَ لَهُ وَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِزَمَانٍ لِفَرْضِ الْوُقُوفِ وَإِنْ كَانَ زَمَانًا لِنَافِلَتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَظْهَرُ فِي اللَّفْظِ لِتَعْلِيقِهِ الْحُكْمَ عَلَى اللَّيْلَةِ.
وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الْوُقُوفَ لَا يُجْزِئُ بِالنَّهَارِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ بِاللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُ أَنْ يَقِفَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: الِاعْتِمَادُ عَلَى الْوُقُوفِ بِالنَّهَارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ وَقْتِ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ وَالْوُقُوفُ بِاللَّيْلِ تَبَعٌ فَمَنْ وَقَفَ جُزْءًا مِنْ.