(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَخَرَجَ مَعَهُ إلَى الْمَدِينَةِ فَمَرُّوا عَلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ مَرِيضٌ بِالسُّقْيَا فَأَقَامَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ حَتَّى إذَا خَافَ الْفَوْتَ خَرَجَ وَبَعَثَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ فَقَدِمَا عَلَيْهِ ثُمَّ إنْ حُسَيْنًا أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ فَأَمَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَأْسِهِ فَحَلَقَ ثُمَّ نَسَكَ عَنْهُ بِالسُّقْيَا فَنَحَرَ عَنْهُ بَعِيرًا قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَكَانَ حُسَيْنٌ خَرَجَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ إلَى مَكَّةَ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَفَ بِهِ فِي عَرَفَةَ فَوَجَبَ أَنْ يَنْحَرَ فِي أَيَّامِ مِنًى كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ نَحَرَهُ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ مَسَاكِينَ الْحِلِّ بِأَنْ يَنْقُلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ جَازَ ذَلِكَ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا هَدْيُ جَزَاءِ الصَّيْدِ فَجَازَ أَنْ يُصْرَفَ إلَى فُقَرَاءِ الْحِلِّ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا دَفَعَ إلَيْهِمْ فِي الْحَرَمِ وَأَيْضًا فَقَدْ صَارَ بِالنَّحْرِ طَعَامًا فَبَطَلَ اخْتِصَاصُهُ بِأَهْلِ الْحَرَمِ.

1 -

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ وَأَمَّا مَا عَدَلَ بِهِ الْهَدْيُ مِنْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُهُ يَقْتَضِي هَذَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْبِلَادِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا فَأَمَّا الصِّيَامُ فَلَا تَأْثِيرَ لِلْبِلَادِ وَالْمَوَاضِعِ وَالْأَزْمَانِ فِيهِ وَلِذَلِكَ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ وَفِي الصَّيْفِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ وَفِي كُلِّ بَلَدٍ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْرِفُهُ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ: إنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ شَاءَ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ مَكَّةَ.

وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاجِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ الطَّعَامَ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا الطَّعَامَ بَدَلٌ عَنْ نُسُكٍ فَجَازَ إخْرَاجُهُ بِغَيْرِ مَكَّةَ كَفِدْيَةِ الْأَذَى.

(مَسْأَلَةٌ)

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُطْعِمُ الطَّعَامَ إلَّا بِمَوْضِعٍ أَصَابَ الصَّيْدَ فِيهِ وَمَا قَارَبَهُ حَيْثُ يَجِدُ الْمَسَاكِينَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّمَ بِسِعْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُ فِيهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ كَانَ بِبَلَدٍ بِسِعْرِ بَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَوْ أَرْخَصَ اشْتَرَى بِثَمَنِ الطَّعَامِ حَيْثُ يُصَابُ الصَّيْدُ فَأَخْرَجَ ذَلِكَ الطَّعَامَ وَإِنْ كَانَ بِبَلَدِ الْإِخْرَاجِ أَغْلَى أَخْرَجَ تِلْكَ الْمَكِيلَةَ وَنَحْوَهُ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَةَ الطَّعَامِ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ الصَّيْدَ فَلْيَشْتَرِ بِهِ طَعَامًا كَانَ السِّعْرُ بِبَلَدِ الشِّرَاءِ أَرْخَصَ أَوْ أَغْلَى وَنَحْوُهُ رُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُمْ مَرُّوا عَلَى حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مَرِيضٌ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَقَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَرْجُو أَنْ يَقْوَى عَلَى التَّوَجُّهِ مَعَهُ وَلِذَلِكَ لَمَّا أَيِس أَنْ يُدْرِكَ مَعَهُ الْحَجَّ وَخَافَ الْفَوَاتَ أَرْسَلَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ يُعْلِمُهُمَا بِحَالِهِ وَلَمْ يُرْسِلْ إلَيْهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا رَجَا مِنْ صِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى إكْمَالِ نُسُكِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُسَيْنٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ يَحِلَّ لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتَ أَوْ لِأَنَّهُ رَجَا الْقُوَّةَ عَلَى الْوُصُولِ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ بِمَرَضٍ لَا يَحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ كَالْمُحْصَرِ بِعَدُوٍّ يَتَحَلَّلُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وَهَذَا عَامٌّ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا تَحَلُّلٌ لَا يُسْتَفَادُ بِهِ التَّخَلُّصُ مِنْ أَذًى فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ أَصْلُهُ إذَا ضَلَّ فِي طَرِيقِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسَوَاءٌ شَرَطَ فِي إحْرَامِهِ أَنْ يَحِلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ الْمَرَضُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَا يَحِلُّهُ إلَّا الْبَيْتُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ شُرِطَ ذَلِكَ حَلَّ بِالْمَرَضِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015